«توزيع الشركات على الوزارات».. نار تحرق العمال.. «المستقلة للمراجل»: اقتراح أسود.. والأجدى فتح ملف الخصخصة.. «مغاوري» مخالف للقانون والدستور.. والمؤيدون: تستحق الدراسة
عملا بالمبدأ القائل: إن أهل مكة أدرى بشعابها، كان لا بد لنا من معرفة آراء أصحاب الشأن فيما يتعلق باقتراح إلغاء وزارة قطاع الأعمال وتوزيع شركات القطاع القابضة الثماني على الوزارات المعنية، آراء العاملين في قطاع الأعمال العام شابها انقسام حاد.. وهو ما يكشف عنه التحقيق التالي..
اقتراح برلماني
ولم يكن هذا الاقتراح هو الأول من نوعه، بل سبق وأثيرت هذه الفكرة في بدايات 2011 عندما تم إلغاء وزارة قطاع الأعمال العام، وتردد الحديث وقتها حول إنشاء جهاز لإدارة الأصول المملوكة للدولة أو توزيع الشركات على الوزارات المعنية.
وأثار مقترح النائب البرلماني عمرو الجوهري حول هذا الشأن عددًا من التساؤلات حول موقف العاملين بشركات قطاع الأعمال العام، حال نقل تبعية القوابض، وتأثير ذلك على مستحقات العاملين وحقوقهم، وإمكانية حدوث اضطرابات عمالية، وهل يستلزم الأمر إجراء تعديل تشريعى، أم ستظل الشركات تعمل تحت مظلة القانون 203 لسنة 1991 الخاص بشركات قطاع الأعمال العام، وإمكانية التنفيذ في الشركات المقيدة في البورصة.
وتوقع البعض صعوبة تحديد مصير بعض الشركات التي تتبعها قطاعات مختلفة مثل الشركة القابضة للصناعات الكيماوية.
فيما أثار الاقتراح مخاوف البعض من القضاء نهائيًا على قطاع الأعمال العام بعد توزيع الشركات قطاعيًا على الوزارات المعنية، مؤكدين أن انضمامهم لوزارة مختصة هو الأمر الطبيعي، لمواجهة اتجاهات البعض للتفتيت.
وفي اتجاه عكس التيار ترددت أنباء حول دراسة وزارة قطاع الأعمال العام لإمكانية ضم الشركة القابضة للصناعات الغذائية للوزارة مجددا، وسحبها من وزارة التموين.
وأكدت مصادر حكومية أن الفكرة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، مشيرة إلى أنه تم اختيار الحل الأنسب للقطاع وهو تشكيل وزارة مختصة بأوضاعه.
توزيع الشركات
وتابعت المصادر أن فكرة توزيع الشركات على الوزارات المعنية كانت مطروحة من قبل إلا أنه بعد الدراسة تبين عدم جدواها والاتجاه لفصل قطاع الأعمال العام عن وزارة الاستثمار وإنشاء وزارة مختصة له، الأمر الذي عاد بالنفع على الوزارتين.
وأضاف أن اقتراح البرلماني عمرو الجوهري سبق وأن طرح أكثر من مرة ولكنه لم يحظ بالترحيب الكافي.
مال عام
من جانبه قال عبد الغفار مغاوري، المحامي المهتم بقضايا عودة قطاع الأعمال العام للدولة، إن شركات قطاع الأعمال العام مال عام لا يجوز بيعه أو التصرف به، إذ إنه ملك للشعب وللأجيال القادمة، مؤكدا أن اقتراح النائب مخالف للدستور والقانون.
وتابع أن هذا الاتجاه محاولة للتخلص من الثروة الصناعية والإنتاجية والعمالية القومية.
وأضاف مغاوري أنه أجدر بهذا البرلماني أن يتقدم باستجواب للحكومة ليطالبها بتشغيل شركات قطاع الأعمال العام وتنفيذ الأحكام القضائية بعودتها.
وشاركه في الرأي جمال أمين الديب، مؤسس ائتلاف «منقذي عمر أفندي»، إحدى شركات القابضة للتشييد والتعمير، مؤكدا أن النائب البرلماني غير مدرك لقيمة شركات قطاع الأعمال العام وما تمتلكه من موارد وكفاءات بشرية تعد عنصرا رئيسيا للاقتصاد المصري.
واستطرد أن شركات قطاع الأعمال العام تلعب أيضا دورًا مهمًا في استقرار الأمن القومى، متسائلا: ألم يقرأ هذا البرلماني عن التضخم الوظيفي بالجهاز الإداري للدولة؟
وأضاف أن قطاع الأعمال العام بحاجة لدراسة الأفكار حول فصل الملكية عن الإدارة وخصخصة الأخيرة، والعمل على تقليل هيمنة الشركات القابضة على الشركات التابعة، للاستفادة مما تستطيع أن تقدمه هذه الشركات من قيمة مضافة للاقتصاد، منوها إلى أن توزيع الشركات على الوزارات محاولة مستترة لإعادة ملف الخصخصة من جديد.
غياب الدراسة
ووصف عمارة إبراهيم، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة المعدنية، ونائب رئيس النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية السابق، ما جاء على لسان النائب البرلماني بالكارثي، وأنه ينقصه الدراسات العملية، مؤكدا أن ما قاله النائب هو محاولة للهروب من مشكلات شركات قطاع الأعمال التي ولدتها الاختيارات غير الموفقة لقيادات الشركات، مما أدى لتدمير البنية التحتية للوحدات الإنتاجية.
واستطرد أن الدولة إذا استجابت لتنفيذ هذا المقترح، ستقضي على ما تبقى من هذه الشركات، مرجعا ذلك للبيروقراطية التي تدار بها شئون الوزارات الحكومية، وعدم درايتها بأصول وخبرات إدارة الشركات اقتصاديًا وإنتاجيًا، والدليل أن الوزارات نفسها معظمها يشكل عبئا على ميزان المدفوعات للدولة.
وطالب عمارة بالمطالبة باختيار رؤساء مجالس إدارات من أصحاب الخبرات للنهوض بتلك الشركات، وإمكانية إنشاء صندوق من موارد الشركات الرابحة لتطوير الشركات الخاسرة دون تحميل الدولة أعباء إضافية.
وأكد أن الحلول متوافرة شريطة وجود الإرادة السياسية، فالقطاع لا يحتاج لأكثر من إدارة متخصصة، تعمل بمقومات وخبرات علمية واقتصادية، وهو الأمر الذي سيغير الأوضاع بهذه الشركات ويحولها للربح.
وتابع أن الدولة هي المسئول الرئيسي عن الخسائر المتراكمة لهذه الشركات، إذ تحرص على تحصيل حقوقها من ضرائب وجمارك، دون أن تمنحها ما عليها لتطوير عملية الإنتاج بها، وتقديم المساندة السوقية لها.
واستنكر عمارة إبراهيم موافقة الدولة على إنشاء شركات منافسة لنفس الأنشطة من دون عمل دراسات الحماية للشركات المملوكة لها، بل قام بعض المسئولين بتعطيل إنتاج شركات قطاع الأعمال العام تمهيدا لبيعها، وهو ما حدث في عدد من الشركات كالنصر لصناعة السيارات، والمراجل البخارية، وشركات الغزل، وغيرها من الشركات التي حققت سمعة سوقية محلية وعربية، وكانت تحقق مكاسب كبيرة في أوقات سابقة، إلا أنها تحولت الآن إلى عبء على الدولة.
وأضاف أن شركة كالحديد والصلب كانت تنتج أكثر من مليون طن سنويا، وتلتزم بـ400 مليون جنيه سنويا ضرائب سنوية بالإضافة لأجور أكثر من 20 ألف عامل، ومن ثم ساهمت في وقت سابق في مواجهة البطالة التي كانت تحديا للاقتصاد القومي.
ووصف حسن أبو الدهب، رئيس النقابة المستقلة للعاملين بشركة «المراجل البخارية»، التابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية، ما قاله البرلماني عمرو الجوهري حول توزيع الشركات على الوزارات بالاقتراح الأسود.
وتابع: كان أجدى به أن يطالب بفتح ملف الخصخصة ومحاكمة المسئولين عن تدمير قطاع الأعمال العام كخطوة لإعادة تشغيله الشركات التابعة.
استكمال الفساد
وأضاف أبو الدهب أن الاقتراح استكمال للفساد الذي تعيشه الدولة وأدى إلى دمار اقتصادها القومي وعلى رأسه قطاع الأعمال العام، مؤكدا أن اقتراح الجوهري يستهدف تخريب أملاك الدولة وتدمير الصناعات القومية، ومن ثم تحويلنا من دولة منتجة ومصدرة إلى دولة مستوردة، ومن ثم تشريد العمالة وزيادة البطالة.
وعلى الجانب الآخر، قال عرفة طه، القيادي العمالي بشركة النحاس المصرية التابعة للشركة القابضة المعدنية: "إن الفكرة تستحق الدراسة شريطة الإجابة على التساؤلات التي لدينا فيما يخص مصير خضوع العمال في حالة توزيعهم على الوزارات المعنية لقانون 203 أم سيخضعون في هذه الحالة لقانون الخدمة المدنية؟".
وتساءل: هل سيتحمل الجهاز الإداري المكبل بأكثر من 7 ملايين موظف ما لا يقل عن 300 ألف موظف إضافيين؟!.
ورحب مصطفى عباس، مدير عام الأمن بشركة "عمر أفندى"، بالاقتراح شريطة تعهد الدولة بالحفاظ على جميع حقوق العاملين المادية وجميع المزايا العينية التي كانوا يحصلون عليها أثناء تبعيتهم لوزارة قطاع الأعمال العام.
كما رحب علاء عمران، مفتش فرع شركة عمر أفندي بالمحلة، بالاقتراح على أن تخضع عملية تنفيذه للدراسات المتخصصة والرقابة الحقيقية، حتى لا يكون القطاع حقلا للتجارب وتزداد أوضاعه وأوضاع العاملين به سوءًا.
"نقلا عن العدد الورقي.."