مرصد الأزهر: العالم عاجز عن وضع تعريف جامع للإرهاب.. يلصقون التهم جزافا بالإسلام.. عوامل عديدة تكون شخصية الإرهابي.. الإفساد في الأرض تطرف.. و3 عقوبات تحددها الشريعة
رغم ما تتكبده دول العالم من خسائر بشرية ومادية فادحة، جراء العمليات الإرهابية ورغم أنين الآباء والأمهات الذين يفقدون فلذات أكبادهم على أيدي عناصر اتخذوا من القتل والإفساد في الأرض سبيلًا لنشر أفكارهم الضالة؛ إلا أن المنظمات الدولية تقف أمام كل هذا عاجزة عن وضع تعريف للإرهاب، بل يكتفي الجميع مع كل عمل إرهابي يقع في أي بقعة من العالم باتهام الإسلام والمسلمين.
ضوابط محددة
ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في التقرير الذي أعدته وحدة رصد اللغة الفارسية؛ أن الإسلام وضع قبل ما يزيد عن 1400 عام ضوابط محددة لتعريف جريمة الإرهاب، وشرع في الوقت ذاته عقوبات مغلظة تطبق على كل من تسول لهم أنفسهم سفك دماء الأبرياء وترويع الآمنين والعيث في الأرض فسادًا، فقال تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
ويشير المرصد، إلى أن الضوابط المحددة التي وضعها الإسلام لتعريف جريمة الإرهاب، تؤكد أن أي إفساد في الأرض يُعد جريمة إرهابية، وصور الإفساد في الأرض كثيرة؛ منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ونهب الأموال، وترويع الآمنين، وغير ذلك من الصور التي يترتب عليها إلحاق الضرر بالآخرين.
وفيما يتعلق بالعقوبة؛ فالإسلام شرع عقوبات مغلظة تطبق على كل من تسول لهم أنفسهم سفك دماء الأبرياء وترويع الآمنين والعيث في الأرض فسادًا، وجعل حق إنزال العقوبة المناسبة على العناصر الإرهابية أمر مرده إلى الحاكم؛ فهو مخير بين قتلهم أو صلبهم أو قطع أيديهم وأرجلهم أو نفيهم من البلد، والعقوبة المقدرة هنا يكون تطبيقها على قدر الجريمة التي يرتكبها الإرهابي.
الإرهاب والدين
وإذا كان الإسلام وضع تعريفًا محددًا ودقيقًا لجريمة الإرهاب، وشرع العقوبة المناسبة لمن يأتون بها، فلماذا يسارع البعض إلى اتهامه بأنه السبب وراء تفشي ظاهرة الإرهاب في حين أنه لا يمكن إنكار الجرائم الإرهابية التي يرتكبها عناصر «جيش الرب المسيحي» ضد الأبرياء في أوغندا، ولا يمكن كذلك إنكار جرائم جيش الاحتلال الاسرئيلي اليومية ضد الفلسطينيين الأبرياء؟، ولماذا يُصر البعض على ربط الإرهاب بالدين؟، في حين أن عناصر الجماعات الإرهابية بعيدون كل البعد عن أي تعاليم دينية أو قيم إنسانية.
ربما تكمن الإجابة على هذه الأسئلة في أن الإسلام هو الدين الأول الذي وضع أسسًا لبناء الدولة، وهي أسس لا تعتمد فقط على دقة القوانين، وإنما تقوم على الرقابة الذاتية لكل شخص على نفسه ورعيته، وإذا بحثنا عن تعريف دقيق لمصطلح «الرقابة الذاتية» سنجده: الضمير؛ الذي يجعل المسلم يراقب الله في كل أعماله، والله تعالى يقول في القرآن الكريم: «قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ».
والحقيقة التي يُنكرها عن عمد من يتهمون الإسلام بالإرهاب؛ هي أن الإرهاب لا دين له، وأن الشخص الإرهابي يلجأ إلى التستر بالدين - خاصة الإسلامي - ويتعمد اجتزاء النصوص من سياقاتها واستحداث تفسيرات وتأويلات ما انزل الله بها من سلطان، سعيًا إلى إيجاد مبرر أخلاقي يُشعر ضميره بالارتياح وهو يسفك دماء الأبرياء، ولعل سعى الإرهابي إلى إيجاد مبرر لأعمال القتل نابع من أن بداخل كل منا نزعة إلى التشدد بمقادير ومعايير مختلفة، وخروج هذه النزعة إلى العلن وتحولها إلى عمل إرهابي متعلق بعدد من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
دوافع عديدة
وقد يقول البعض إن الأجانب المقاتلين في صفوف التنظيمات الإرهابية، والمقدر عددهم بنحو 40 ألف مقاتل ينتمون لأكثر من 110 دولة - وفقًا لتقرير شركة الاستشارات الأمريكية (Soufan) - لا يعانون من مشكلات اقتصادية أو سياسية.. فما الأسباب التي دفعتهم إلى القتل وإشاعة الفوضى والدمار؟، وهنا تبرز أمامنا عدة دوافع تجعل الأجانب ينضمون إلى التنظيمات الإرهابية، أولها وهو السبب الرئيسي: الشعور بالفراغ الروحي الذي تعاني منه المجتمعات الأوروبية عمومًا بسبب تيارات العلمنة.
ومن الدوافع الأخرى التي تجعل الأجانب ينضمون إلى التنظيمات الإرهابية، المعاناة من التهميش، وهو ما يجعل الفرد منهم يسعى إلى إيجاد سبيل لتحقيق أي بطولات حتى لو كان طريقه لذلك هو الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى البحث عن الشهرة، وإيجاد بيئة خصبة لجمع الأموال الطائلة من خلال إدارة أعمال منافية للقانون مثل تجارة السلاح وغيرها.
خطة مريبة
ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إلى أنه من خلال ما سبق يتضح للجميع أن اتهام الإسلام بأنه السبب وراء أي عمل إرهابي هي «خطة مريبة»، وصفها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، قائلًا: «خطة مريبة تستهدف تشويه الإسلام، والجرأة على القرآن والحديث، وتحطيم تراث المسلمين، والسخرية من أئمته وأعلامه، وفي سُعارٍ جامح يعكس حجم المؤامرة على حضارة الإسلام، والذي يتزامن مع هجوم مُبرمَج على الأزهر، حتى أصبح من المعتاد إدانة الأزهر وإدانة مناهجه عقب أية حادثة من حوادث الإرهاب، في سعي بائس لمحاولة خلخلة رصيده في قلوب المسلمين، وحتى صرنا نعرف توقيت هذا الهجوم بعد أن رصدناه بدقة.
ووجدنا أنه يحدث في إحدى حالتين: الأولى بعد وقوع حوادث الإرهاب، والثانية كلما أحرز الأزهر نجاحًا في تحقيق رسالته في الدَّاخل أو في الخارج، والخطة في هذه الحالة إما الصمت المطبق وإخفاء الحسنات، وإما البحث والتفتيش عن الهنات وإذاعتها بعد تكبيرها وتجسيمها».
ويشير المرصد، إلى أن هناك عوامل عديدة تتدخل في تكوين شخصية الإرهابي، وتدفعه للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، ويجدر على الجميع دراسة هذه العوامل والتكاتف لمعالجتها من كافة النواحى، لأن هذا هو السبيل الوحيد للتغلب على هذه الظاهرة وبالتالي تجنيب العالم ويلات الإرهاب.
ويؤكد المرصد، على أهمية الدور الذي يؤديه الأزهر الشريف في هذا الجانب باعتباره جزء رئيسي من هذه المعالجة؛ محذرًا من أن التقليل من دور الأزهر أو اتهام مناهجه الدراسية بتخريج متطرفين يؤدى إلى أحد أمرين أحلاهما مُر، فإما انتشار الفراغ الروحي والديني بين الكثير من أبناء المجتمع وبخاصة الشباب وبالتالي يسهل استقطابهم من أي جهة داخلية كانت أو خارجية، وإما فتح المجال أمام غير المؤهلين لملء فراغ الرقعة الدينية، وبالتالي التكريس بشكل مباشر لانتشار الأفكار المغلوطة - بقصد أو بدون قصد - بالشكل الذي يؤسس لظاهرة الإرهاب.