رئيس التحرير
عصام كامل

قمة سوتشي... محاولة للقراءة


اجتمع في مدينة سوتشي الروسية ثلاثة رؤساء لكل من روسيا وإيران وتركيا يوم 22 نوفمبر 2017، ويبدو للقارئ أن الملف الرئيسي للاجتماع هو التباحث حول التسوية السياسية والسلمية على الأمد الطويل في سوريا، التي يفترض أن تلي هزيمة الإرهاب، ولكن في الحقيقة أن كل رئيس لديه أجندته الخاصة، التي تعد سوريا جزءا منها.


بداية، يصعب تجاهل أن القيمة جاءت عقب خلاف لبناني سعودي إيراني حول سلاح حزب الله ومغزى بقائه في لبنان، أو استخدامه في اليمن وسوريا التي نجحت قواتها العسكرية بالتعاون مع القوات الروسية في السيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وقد بدا المشهد في المنطقة أنه يتأهب لاستقبال حرب إقليمية جديدة على أرض لبنان، للنيل من نفوذ حزب الله في لبنان، ومن خلفه النفوذ الإيراني، والذي جاء حسب إفادة بعض المراقبين بأنه نتيجة تنسيق أمريكي سعودي.

الأمر الذي يفتح معه الحديث عن سعي أمريكا لتحقيق أحد أهدافها الإستراتيجية في المنطقة وهو أمن إسرائيل، وبالتالي من القضايا التي من المتوقع طرحها بين الرئيسين بوتين والأسد عشية قمة سوتشي، ترتيب الأوضاع في سوريا ومنها العملية السياسية ووجود حزب الله في سوريا وسلاحه في لبنان، وموقف الجولان خاصة أن روسيا وأمريكا تتمتعان بعلاقات استثنائية مع إسرائيل.

تتمثل أجندة روسيا في البقاء في سوريا لأمد طويل، وترتيب الوضع الداخلي السوري وفق رؤيتها، وبما يحقق تقاربا بشكل أو بآخر مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية، ومن ثم من غير المستبعد أن يتم الاتفاق على تقليل وجود حزب الله في سوريا، وتقليل سلاحه في لبنان وبقاء الجولان على حاله محتلا، وكذلك دور روسي رئيس في إعادة الإعمار، فضلا عن التحكم في إنتاج سوريا من البترول والغاز المكتشفين فيها.

بينما إيران تحمل أجندة أخرى، وهي جني ثمار موقفها في سوريا من توطيد لنفوذها فيها، مثل ضمان وجود عسكري لها في سوريا كبناء قاعدة عسكرية فيها، ومد خطوط أنابيب الغاز عبر أراضي سوريا وبقاء نظام موال لها، والحيلولة دون قيام حرب في المنطقة للنيل من حزب الله.

وبالنسبة لتركيا، لديها أجندة تتمثل في ضرورة استمرار قواتها في سوريا وخاصة في شمالها، للحيلولة دون إنشاء دولة كردية فيها، فضلا عن قضية عودة اللاجئين السوريين، والذين بلغ تعدادهم مليوني لاجئ، فضلا عن رغبتها في أن يتم تصدير الغاز السوري عبر أراضيها لأوروبا.

كما أن هناك الجانب العربي الغائب الحاضر من خلف الكواليس، ويظهر في هذه القمة من خلال اتصالات هاتفية مع السعودية وقطر اللذين لهما علاقات مع المعارضة السورية، حيث تهتم السعودية بشكل النظام السوري القادم فيما بعد داعش. وبالتالي يتوقف مستقبل سوريا بعد القمة على عدد من القوى والفواعل المحركة للأحداث فيها كالتالي:

مصير الجيوش الرسمية سواء الروسية أو الأمريكية أو التركية، وكذلك القوات شبه العسكرية لكل من إيران وحزب الله، والقوات الشكلية من أوروبا.

القدرة على فك نفوذ كل من روسيا وأمريكا وتركيا وإيران في المناطق التي تسيطر عليها القوات العسكرية وشبه العسكرية، لأن استمرار الوضع بهذا الشكل من شأنه تعرض سوريا لمخاطر التقسيم الفعلي على الأرض.

قدرة أمريكا على فرض رؤيتها على الحل النهائي للصراع في سوريا، بما في ذلك مستقبل "حزب الله" والدور الإيراني في مستقبل سوريا والمنطقة بما يحقق مصالحها ومصالح إسرائيل.

قدرة الدول العربية على القيام بدور عربي قوى قادر على دمج سوريا في محيطها العربي، وهو الدور الذي يمكن لمصر أن تقوم به.

قدرة سوريا على صياغة دستور من شأنه أن يعمل على وحدة أراضيها مع عدم تجاهل عروبة سوريا فيه.

ويمكن القول إن هناك ترتيبات سوف تستمر في سوريا بعد هذه القمة تتمثل في:
استمرار تواجد القوات الروسية والأمريكية على الأرض السورية، واستمرار التنسيق فيما بينها، مما يعكس أن هناك تفاهما بين الجانبين لمصالح كل منها من وراء تواجدهما على الأرض السورية.

عدم السماح بوجود عسكري إيراني أو حزب الله في سوريا، فمن المتوقع وجود ثمة اتفاق روسي – أمريكي غير معلن بعدم السماح لهما بلعب دور في تحديد المستقبل النهائي لسوريا.

سيتم مراعاة المصالح الإسرائيلية عند حسم الصراع في سوريا وطبيعة الحل النهائي وخاصة في الجولان.

يمكن القول إن قمة سوتشي لن تحسم الوضع والأجندات المختلفة لكل الدول المشاركة، لأن تناقض الأهداف فيما بينهم يصعب التوصل لحل ولكن من شأن المصالح المشتركة أن يكون لها دور في تحريك العملية السياسية في سوريا، ومنها تكثيف الحوافز الاقتصادية، حيث من المتوقع أن تتناول أجندة اللقاء الاتفاقيات الخاصة بالذراع الجنوبي لطريق الحرير، الذي سيمر عبر آسيا الوسطى من خلال منطقة النفوذ الروسي عن طريق تركيا وإيران، والتي قد يكون لها أثر بتقديم تنازلات من قبل إيران خاصة في ظل التضييق الحاصل حولها الآن في المنطقة، ويمكن القول إن وحدة الأراضي السورية والشعب السوري واستقلال إرادته هي المستقبل المنشود لسوريا ضمن محيطها العربي.


الجريدة الرسمية