الحريري من القاهرة إلى بيروت!
من لا يعرف لبنان وظروفه السياسية وأحواله وتركيبته المذهبية ودستوره الطائفي لا يستطيع فهم واستيعاب الحالة هناك.. وفي مادة "النظم السياسية" اخترنا "لبنان" مع "المغرب" لدراستهما بما يسر معرفته بشكل تفصيلي..
لبنان الجميل بمساحته الصغيرة وتأثيره الكبير أو سويسرا الشرق كما يسمونه ليس لجماله فحسب وإنما لتركيبته العجيبة التي هو عليها.. فلبنان صاحب العشرة آلاف كيلومتر مساحة فقط يضم أكثر من سبعة عشر مكونا طائفيا ومذهبيا.. بين مسيحيين مقسمين إلى موارنة وروم أرثوذكس وكلدانيين ثم إلى عائلات كبيرة كعائلات شيمون والجميل ومعوض وفرنجيه وسركيس، ومنهم من يؤمن بعروبة لبنان كالرئيس الحالي ميشال عون ومن سبقه كالرئيس ميشال سليمان والأسبق إيميل لحود ومنهم من لا يؤمن.. وبين مسلمين مقسمين إلى سنة وشيعة ثم الشيعة إلى حركة أمل وحزب الله وغيرهما، بينما السنة إلى تنظيمات سياسية وحزبية، موزعون على عدد من التيارات القومية بين البعثي والناصري والأخيرة تضم عددًا من الحركات والأحزاب الناصرية أشهرها الاتحاد الاشتراكي العربي ويرأسه عبد الرحيم مراد، وزير الدفاع الأسبق، والتنظيم الشعبي الناصري ويرأسه النائب أسامة سعد، نجل القيادي الناصري مصطفى معروف سعد، ومنهم الناصري المستقل مثل النائب نجاح واكيم، ثم حركة المرابطون الناصرية برئاسة العميد مصطفى حمدان وغيرها من الحركات الأخرى، ثم إلى الدروز بزعامة وليد جنبلاط، نجل المناضل الدرزي الراحل كمال جنبلاط..
ويعطي الدستور اللبناني لهذا التقسيم ظلالا من الشرعية، إذ يلزم أن يكون الرئيس مسيحيا مارونيا، بينما رئيس الوزراء يكون مسلما سنيا، في حين يشترط أن يكون رئيس مجلس النواب مسلما شيعيا، وفي حين يمكن أن يكون وزير الدفاع مسلمًا، إلا أن قائد الجيش يجب أن يكون مارونيا مسيحيا.. ومن مجلس النواب يأتي الرئيس ورئيس الحكومة وليس بالانتخاب المباشر من اللبنانيين، بينما يطلق الدستور على القيادات الثلاثة للرئاسة والوزراء والنواب بــ "الرئيس فلان" كما نسمع "الرئيس بري" أو "الرئيس الحريري" فضلا عن "الرئيس عون"!
وهذه الطوائف والأحزاب كلها كانت مسلحة في الحرب الأهلية ويمكن عند الضرورة توفير السلاح لها! بينما الجغرافيا تعكس هذه التركيبة فبينما يزداد المسلمون السنة في طرابلس يهيمن الشيعة على الجنوب وبيروت الجنوبية بينما الدروز في جبل الدروز وهكذا.
واستطاع حزب الله بناء قوة عسكرية كبيرة تتفوق على الجيش اللبناني نفسه وبلا سقف في التسليح أو قيود كتلك المفروضة على الجيش اللبناني، وهو ما غير المعادلة مع إسرائيل.. وبالتالي وسط هذه التفاصيل كلها وقد ذكرناها ليعلم من لا يعلم أنه لا يستطيع أحد أن يلعب دورا لمصلحة الشعب اللبناني -ونكرر الشعب اللبناني- إلا إن كان مقبولا من كل الأطراف وعلى علاقة بدرجة أو بأخرى معها.. وبهذه الشروط تأتي أهمية مصر التي لا ترتبط بطرف على حساب آخر ولا تمول أو تسلح أحدًا على حساب الأطراف الأخرى.. ومن هنا من الطبيعي أن يزور الحريري الابن مصر قبل عودته وأن تستقبل مصر قبل أيام الرئيس نبيه بري، رئيس النواب اللبناني، وأن تعلن مصر رفضها الحرب فتتجمد خطط شريرة عديدة، وسوف يأتي يوم ليعرف الكثيرون أهمية ما فعلته مصر لإنقاذ البلد الحبيب والمنطقة كلها!