توفيق الحكيم يكتب: خيول المناصب الحكومية
في مجلة "آخر ساعة" عام ١٩٣٨ كتب توفيق الحكيم مقالًا قال فيه:
"إن تعاقب الوزارات السريع في مصر يقذف اليوم على أفاريز الفراغ بعدد وافر من أصحاب المعالي الذين لا يصنعون شيئا غير الانتظار في ميادين السياسية محدودي الأكف ينتظرون ماذا؟ هؤلاء المتعطلون، ينتظرون دورهم في العودة إلى الركوب".
وتابع: "نعم أن الحكم أصبح الآن مثل أرجوحة الخيول الخشبية الدائرة التي يركبها الأطفال مقابل مليمات، ولو أعطى الطفل ألف مليم لانفقها في هذه اللعبة اللذيذة".
وأضاف "الحكيم": "الطفل يحب ركوب الحصان بسبب الألوان الخادعة، والفائدة هنا لا شيء غير اللهو والسرور فهو قد لعب ومارس الفروسية الكاذبة فيقنع بذلك ولا يفعل شيئا سوى ازدراء الواقفين في انتظار الدور وهو يمر بهم مر البرق متعاليًا.. والحياة في مصر لهو في لهو وتعطل إلى جانب تعطل وفراغ إلى جانب فراغ، الجميع من قادة ومقودين لا عمل لهم غير التطلع إلى خيول المناصب الحكومية، الخشبية وهي تدور".
وواصل في مقاله: "لقد سرت روح البطالة والسؤال بين فئات الشعب المصري الجاهل والمتعلم وأصبحت مصر بلدا تخفق عليها راية التسول العام وهنا يكمن الخطر الداهم ولا أبالغ إذا قلت أن روح الشحاذة موجودة في كل نفس مصرية في الوقت الحاضر.
فالوزير الذي يتسول في انتظار منصبه لا يكاد يدخل مكتبه كل صباح حتى يرى هو الآخر أفواج المنتظرين من أصحاب السؤال يمدون أيديهم ليعطيهم مما أعطاه الله بالنقل أو الترقية أو العلاوة أو منحة، ويضيع جزء كبير من عمل الوزير اليومي في التخلص من هؤلاء السائلين، ويصل الأمر إلى حد ترى بعض الناس ينتظرون حتى يسألوا جيرانهم الجرائد ليقرأوها شحاذة لدرجة أنني أحيانا أواجه كل يوم من يسألني نسخة من كتب شحاذة".
واختتم الأديب مقاله قائلا: "الترتيب في كل هذا واقع على كاهل القادة رجال الحكم والسياسة فهم الذين علموا الشعب الكسل وروح البطالة والتسول".