رئيس التحرير
عصام كامل

إيزيديون مفقودون.. حياة في الظل حتى بعد الخلاص من «داعش»

فيتو

بينما يتلاشى تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، ما زال مصير آلاف الإيزيديين مجهولًا، ويعتقد بعض النشطاء أن العديد من الإيزيديين الذين تم خطفهم أو بيعهم يختبئون من العار والخوف، لكن عائلاتهم لم تفقد الأمل في عودتهم بعد.

أكثر من ستة آلاف إيزيدي تم اختطافهم من قبل تنظيم "داعش" في شمال العراق وسوريا، وحتى الآن، وبعد ثلاث سنوات، ما زال أكثر من نصفهم مفقودين، وبالرغم من ذلك، فإن الكثيرين منهم، على حد قول بعض عاملي الإغاثة، يعيشون في المخيمات بين العائلات العربية النازحة، دون أن يعرفهم أحد.

يقول الناشط ميرزا دنيايي إن العديد من الإيزيديين الذين كانوا قد اختطفوا، يخشون الآن على حياتهم، لأنهم أجبروا على أن يتحوّلوا للإسلام خلال فترة اختطافهم من قبل داعش. والآن كرّس دنيايي نفسه للبحث عنهم كي يتمكنوا من العودة إلى عوائلهم.

ويضيف دنياي أن المختطفين هم من ضحايا استراتيجية تنظيم "داعش" في القضاء على الديانة الإيزيدية، موضحًا بالقول: "نعلم أنهم انحلوا تمامًا بالمجتمع المسلم، وباتوا يعتقدون أن الديانة الإيزيدية لم تعد موجودة، وغالبًا ما يعانون من نوع من متلازمة ستوكهولم"، ومتلازمة ستوكهولم هي ظاهرة نفسية يقوم فيها المختطَفون بتطوير علاقة عاطفية إيجابية مع خاطفيهم أو وضعهم.

"شعرت كأنني مسلمة"
وهذا ما حدث لمديحة إبراهيم التي تبلغ الثالثة عشر من العمر، حيث اختطفها "داعش" في أغسطس 2014، لتقضي السنوات الثلاث التي تلتها في الأسر في مدينة تلعفر العراقية.

وخلال فترة الأسر، جعلوها تتحول إلى الإسلام، تقول مديحة بالتركية: "لقد نسيت كرديتي تمامًا"، تقول ذلك وهي تأكل البيتزا في مطعم في الجزء الكردي من العراق.

اجتمعت مديحة في مخيم للاجئين هنا مع أعمامها واثنين من أشقائها الذين ساعدوها على الفرار، ولا يزال والداها وأحد إخوتها مفقودين، ويمكن رؤيته على صور لأحد مقاتلي "داعش" منشورة على فيس بوك، ويبدو أنه مخبأ لدى أسرة هذا الإسلامي المتشدد، كما كانت مديحة حتى وقت قريب.

وكان أول خاطف لمديحة في تلعفر هو التركي أبو يوسف الذي كان لديه ثلاث زوجات وعدة أطفال.

تقول مديحة: "ضربوني وباعوني إلى أسرة أخرى". عاشت الفتاة فترة أطول قليلًا مع أبو على وزوجته فاطمة المنحدرين من من مدينة بورصا التركية، قبل أن تباع لأبو أحمد وزوجته زاهدة من مدينة قونية في تركيا. هناك، تم تسميتها بـ"هاجر".

في تلك الفترة كانت مديحة تدرس اللغة التركية بنفسها وتتعلم اللغة العربية في إحدى المدارس. كانت تصلي خمس مرات في اليوم وتستمتع بقراءة القرآن.

وقُيل لها إنه لا يمكنها أبدًا أن تعود إلى عائلتها، وإنه سيكون من الأفضل لو أنها نسيت أصولها في أقرب وقت ممكن.

تقول مديحة: "شعرت كأنني مسلمة ولم أعد أشعر بأنني إيزيدية، وتتابع: "قالوا لي إن عائلتي ستقتلني إذا اكتشفوا أنني تركت ديني"، فالإيزيديون مجتمع مترابط ومنغلق، لا يجوز فيه الزواج من شخص ذي دين مختلف.

لم تعرف مديحة أن الزعيم الديني للإيزيديين، بابا شيخ، قد ضمن لكل من اختطفهم تنظيم "داعش" العودة إلى مجتمعهم دون عواقب.

استجواب لدى الشرطة العراقية
فرت مديحة مع عائلتها التركية، مع اشتداد القتال في تلعفر، نحو الموصل. وهناك تم احتجازهم في معسكر مخصص للسجناء من عائلات مقاتلي داعش الأجانب.

تقول مديحة: "كنت خائفة ولم أكن متأكدة مما إذا كانوا ينتمون إلى تنظيم داعش"، والواقع أنهم كانوا من الشرطة العراقية. قاموا باستجواب المعتقلين، وكانوا يرغبون في التأكد فيما إذا كانوا إيزيديين، تقول مديحة: "سألوني أيضًا، لكنني نفيت ذلك".

لكن "أمها الحاضنة" زاهدة لم تعد تستطيع أن تصمد أمام الضغط، وقالت: "هذه ليست طفلتي"، كان على مديحة أن تخبر الشرطة باسم والدها، وعندما جاء عمها، ذهب عنها كل خوفها. تقول مديحة: "عرفته على الفور، إلا أن لحيته كانت قد أصبحت بيضاء، وكنت سعيدة جدًا لرؤيته".

تعرف مديحة أن هناك العديد من الفتيات الإيزيديات في ذلك السجن، مثلها لا يفصحن عن أصلهن، وقد وجد هادي بابا شيخ، شقيق الزعيم الديني للإيزيديين والمتحدث باسمه، بعض الأطفال، بمن فيهم داليا البالغة من العمر ست سنوات، التي وجدها هي الأخرى بعد إبلاغ في معقل داعش السابق.

يقول هادي: "تعرف داليا أن زينب ليس اسمها الحقيقي، وأنها كانت إيزيدية"، وكان الكثير من الأطفال الأصغر سنًا قد نسوا أسماءهم ودينهم، مثل مديحة، كانت داليا خائفة جدًا من المغادرة عندما وجدها بابا شيخ، كانت تخشى أن تُباع كرقيق جنس، هذا بالضبط ما حدث لكثير من النساء الإيزيديات، ولدى البعض بالفعل أطفال من خاطفيهم وهم يخجلون من العودة إلى ديارهم.

الأطفال والنساء مقابل المال
الناشط ميرزا ديناي يعرف هذه المشكلة، لهذا السبب أراد أن يطلق حملة بحث كبيرة في المخيمات مع لاجئين من المدن المحررة من "داعش". كان ديناي قد جمع فريقًا، ولكن مديرية شئون الإيزيديين في وزارة أوقاف إقليم كردستان، لا تريد أن تعطيه الإذن.

ويوضح خيري بوزاني، المدير العام، أن ذلك يرجع إلى أن الإيزيديين يطالبون بمقابل مادي عن المعلومات المتعلقة بالأطفال والنساء المفقودين، على حد زعمه. ولذلك فإن إجراء مثل هذا البحث خارج نطاق مسؤوليات دائرته.

لا يمكن للعديد من الإيزيديين أن ينتظروا الإجراءات الداخلية للسلطات وموافقاتها، ولذلك يقومون بالبحث بأنفسهم. على سبيل المثال، يستخدم هادي بابا شيخ وضعه كمتحدث باسم الزعيم الإيزيدي للوصول إلى مخيمات اللاجئين. وحتى الآن عثر على بعض النساء والأطفال اعتمادًا على بعض المعلومات.

لكن هناك الآن مشكلة جديدة، فبعض العوائل التي عادت إلى مدن تم تحريرها من "داعش" مثل تلعفر والحويجة، أخذت معها النساء والأطفال الإيزيديين.

عدم فقدان الأمل بالعودة
وبدعم أوروبي وبالتعاون مع زعماء القبائل العرب، بدأ هادي بابا شيخ بتقديم المال للعوائل العربية عندما يعيدون الإيزيديين المختبئين عندهم، يقول بابا شيخ: "نذهب إلى العوائل ونسألهم إن كان عندهم طفل إيزيدي، ثم ندفع لهم".

ولا يزال بعض الإيزيديين يتذكرون أسماء آبائهم أو أفراد عائلاتهم ويمكنهم تحديد هوياتهم، وفي حالات أخرى، يساعد إجراء اختبار الحمض النووي.

تظهر أهمية عمل هادي بابا شيخ في قصص مثل قصة مديحة، ليثبتوا أن الإيزيديين لم يفقدوا بعد الثقة في إنقاذهم يومًا ما، تقول مديحة عن خاطفيها: "لم أكن أعتقد أبدًا أنني سأقضي بقية حياتي معهم"، وتتابع :"كانت بيوتهم قذرة جدًا".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية