رئيس التحرير
عصام كامل

باحث أثري لـ«شيرين عبد الوهاب»: نهر النيل شريان الحياة قديما وحديثا

شيرين عبد الوهاب
شيرين عبد الوهاب

قال الأثري علي أبو دشيش، خبير الآثار، عضو اتحاد الأثريين المصريين، إنه يتعجب من الذين يعيشون على الأرض المصرية، ويسبون رمزا من رموزها، قاصدا بحديثه الفنانة شيرين عبد الوهاب، مشيرا إلى أن هيرودوت قال "مصر هبة النيل"؛ لأن النيل بدون عقول واعية وأيدي مصرية لما كانت هذا الحضارة الخالدة.


وأكد أبو دشيش، أن نهر النيل لم يخلق القطر المصري فقط، ولم يوفر لأهله الغذاء والكساء بل جمع كلمتهم واضطرهم لابتكار النظم الزراعية السليمة وكافة النظم الاجتماعية، فضلا على ذلك كان للنيل أثر آخر، لقد حسب القوم سنتهم الشمسية وبدأها مع توافق شروق نجم الشعرى اليمنية مع ظهور الفيضان، والشروق هنا يعني ظهور ذلك النجم في الأفق الشرقي مع الشمس، وقسموا السنة ثلاثة فصول، وقسموا الفصل أربعة أشهر، وسموا الفصول (الفيضان، والإنماء، وفصل الحصاد) وكان شهرهم ثلاثين يوما، وأسبوعهم 10 أيام، وكانت سنتهم 360 يوما، مضاف إليها 5 أيام هي أيام النسيء، وهي الأيام التي فيها أعياد الآلهة الرئيسية الخمسة.

وأضاف أبو دشيش: بعد ذلك عرف القوم السنة الشمسية 365 وربع يوم، أي بزيادة ربع يوم، عما كنت عليه سابقا، نحن نقيس الزمن بتغير المناخ فنقسم سنتنا أربعة فصول (الشتاء، الربيع، الصيف، الخريف) أما قدماء المصريين فحسبوا زمنهم بالسنة الشمسية، والتي تبدأ بشروق نجم الشعرى اليمنية مع الشمس في المشرق، واستمر الحال كذلك حتى عهد الأسرة الثانية عشر (2000_1790 ق.م).

وأوضح أبو دشيش، أن الفراعنة قالوا إن كل مكان يصل إليه نهر النيل هو مكان مصري من أرض مصر، عدا ذلك فهو ليس من أرض مصر، وهذا يدل على تقديسهم لهذا النهر الذي أمدهم بالحياة.

ونهر النيل أطلق عليه المصري القديم "أترو" بمعنى النهر، ثم بعد ذلك أطلق عليه "أترو عا" بمعنى النهر العظيم، لما له من أثر كبير في شموخ وعظمة الحضارة المصرية القديمة، فعندما سلك نهر النيل مصر سلك مسلكا حضاريا، وأعطى لمصر شخصيتها الإقليمية وجعلها تأوي بمعنى الأرضين؛ أرض شروق الشمس، وأرض غروبها، ومن هنا عاش المصري القديم على ضفافه واحترف وامتهن الزراعة، التي سببت له الاستقرار ومن ثم بناء المساكن وتكوين أول مجمعات سكنية على ضفاف نهر النيل الخالد.

ومن خلال هذا الاستقرار برع المصري القديم وتألق وعمل بالتجارة والصناعة، ولذلك صنع أول حضارة عرفها الإنسان على وجه التاريخ، ولذلك فكان الأثر الكبير للنيل في بناء وتشييد الحضارة التي لا تزال تحير العالم أجمع، وعندما تأمل الفراعنة نهر النيل وجدوا زهرتين في هذا النيل اللوتس والبردى وهما رمزا مصر العليا والسفلى.

وعندما تستنشق زھرة اللوتس فأنت في الحقيقة تستنشق عطر مصر وجوهرها، فلقد تأمل المصري القدیم هذه الزهرة فوجد جذورها في الطین، وساقها في الماء، وأوراقها تتفتح في الهواء وتحت ضوء الشمس فاتخذ منها رمزا للرحم الذي يخرج منه "رع" لیشرق بنوره هو الإله على العالم.

ويتخذ نهر النیل في رحلته شكل زهره اللوتس من أقصى الجنوب عند أبو سمبل حتى أقصى الشمال عند سواحل البحر الأبیض المتوسط، ويمتاز النيل بفيضان سنوي يظهر في وقت معين وينحسر في وقت معين.

الفيضان وخصوبة الأرض
إذا كان شحيحا تعذر ري كل الأرض، ومعنى هذا قلة الخصوبة والمحصول وقد تصل القلة إلى درجة القحط، وحدث أن شح الفيضان عدة سنوات متتالية فصاحب ذلك القحط والضنك الشديد مثلما حدث عن قصة يوسف عليه السلام، وأما إذا كان الفيضان عاليا علوا بالغا فذلك يعنى الخراب الشامل والفيضان العالي يكتسح كل شيء أمامه، فيكتسح الجسور والقرى والمدن، كما يكتسح الحيوانات والأهالي والآلات الزراعية والمحاصيل، وكان ارتفاع النهر لستة عشر قيراطا معتبر أفضل ارتفاع للفيضان.

ويروى فيضان النيل أرض مصر كل عام ويمدها بكمية كبيرة من الطمي الذي يصلح تربتها ويأتي هذا الفيضان من الحبشة نتيجة لهطول الأمطار وذوبان الثلوج المتراكمة على قمم الجبال أيضا.
الجريدة الرسمية