رئيس التحرير
عصام كامل

هل كذب لورانس العرب؟

فيتو

لا أذكر عدد الكتب التي قرأتها أو رأيتها فقط في مكتبات بريطانيا عن الضابط الذي عرف باسم «لورانس العرب». لكنني أذكر أنه لم يكن يمر عام أو عامان من دون ظهور كتاب آخر عنه. جميع تلك الكتب كانت تنحت في أسطورته وفي دوره في «الثورة العربية». وجميعها استند في صورة رئيسية إلى كتابات لورانس نفسه، ومؤلفه الأكثر شهرة، «أعمدة الحكمة السبعة». لم يناقش أسطورة لورانس أحد في الغرب ولا أظهر العرب اهتماما في ذلك.

عثرت في نيويورك على نسخة تعود إلى 1965 لكتاب بالإنجليزية بعنوان: «تي. إي. لورانس: وجهة نظر عربية» للكاتب والمؤرخ الأردني سليمان الموسى (توفي 2008) الذي كان أول وآخر من ناقض الروايات البريطانية عن دور لورانس في كتاب (1962) «لورانس والعرب» الذي ترجم إلى الإنجليزية تحت العنوان المذكور آنفا.
«الثورة العربية» يقول الموسى: كانت ثورة عربية وليست ثورة لورانس ولم يتعد دوره فيها تقنيات التفجير وتوفير بعض الأسلحة. ويقول الملك عبد الله الأول في مذكراته إن ضباطا فرنسيين وبريطانيين لعبوا أدوارا أكثر أهمية بكثير من دور لورانس، لكن أحدا لم يأت على ذكرهم، ويرى الموسى أن حكاية لورانس لم تكن في رأي معظم العرب أكثر من اختراع غربي: «ولقد حاولت في دحض هذه الرواية أن أكون دقيقا وموضوعيا بقدر ما أستطيع، مدركا أن المادة التي نشرت حتى الآن غير كاملة». ويروي أنه استمع إلى رجال كثيرين عرفوا لورانس ومرحلته، وقبل ذلك لم تكن لديه شكوك في الرواية السائدة، التي سوف يكتشف أن كتابات لورانس فيها كانت في بعضها كاذبة.
من بين المخترعات «رحلات» لورانس إلى بعلبك ودمشق وتدمر وجبل الدروز. لكن في مقدمة النسخة العربية من الكتاب يشير الموسى إلى كثير من المساعدات التي قدمها لورانس والجنرال غلوب باشا، والخاتون جيرترود بيل في العراق، وقبل صدور الطبعة الإنجليزية عرضت على شقيق لورانس، أي دبليو لورانس، الذي كتب تعليقا عليه نشر في نهاية الكتاب.
شكك عدد قليل جدا من الغربيين في مبالغات لورانس عن أدواره العربية، لكن أحدا لم يشكك في طاقاته الأدبية يوم كان يراسل رجالا مثل ونستون تشرشل أو جورج برنارد شو وغيره من كبار الأدباء في بريطانيا، وربما لم يؤثر كتاب الموسى كثيرا في صورة لورانس، التي زادت هوليوود في ألوانها ولمعانها، لكنه بالتأكيد محاولة تأريخية ممتازة في تصحيح كثير من الأحداث والانطباعات. وتبدو سيرة سليمان الموسى نفسه، فصلا من آداب الأردن وحياته الثقافية. سيرة شديدة الاحترام.
نقلاً عن الشرق الأوسط
الجريدة الرسمية