جوال الأماني
في الأدب الروسي قصة للأديب العبقري "تولستوي" تروي أن شيطانا ظهر أمام الناس في صورة إقطاعي يمتلك مساحة ضخمة من الأراضي والأملاك التي من فرط اتساعها لا تستطيع العيون أن تصل إلى نهايتها، يا الله أكل هذه الأراضي والأملاك لهذا الإقطاعي وحده؟! هكذا قال أحد الفلاحين همسا وهو يمني نفسه أن يحصل ولو على قيراطين من هذه الأرض، فظهر له الإقطاعي وهو يربت على كتفيه قائلا: ولِمَا تحصل على قيراطين فقط!؟ كل هذه الأرض بما عليها لك إن استطعت، فقال الفلاح وهو يزدرد ريقه: كل هذه الأرض لي إن استطعت!
ولكن كيف؟! رد الإقطاعي: نحن الآن في الصباح الباكر، فإذا قمت بالجري حول هذه الأرض دون توقف فكل ما جريت حوله سيكون ملكك بشرط أن تعود إلى مكانك الذي بدأت منه قبل الغروب، نظر الفلاح إلى الأرض واتساعها، ثم إلى قوته وشبابه، ووقر في قلبه أنه يستطيع أن يمتلك كل هذه الأرض، الأمر فقط يحتاج إلى قدر من الهمة والنشاط، وعلى التو أسرع الفلاح جريا، لم يتوقف لحظة، وكلما هدَّه التعب أيقظ همته الطمع، فلتستمر فسوف تحصل على ما تريد وأكثر، وانتصف النهار والفلاح يجري ويلهث، ومع ذلك فالأرض كأنها تجري مبتعدة عنه كلما قطع شوطًا كبيرًا معها، وحين جف ريق الفلاح بسبب العرق الذي سال منه، وارتجف قلبه بشدة، حينها نظر خلفه فوجد أنه ابتعد كثيرا عن البداية حتى إنه لم يعد يبصرها، فكان أن قرر أن يقفل عائدا إلى حيث النقطة التي بدأ منها..
ولكن الجهد كان قد ضمر، والخطوات أصبحت ثقيلة، ولكنه يجب أن يعود قبل غروب الشمس، فليقس على نفسه ليسبق موكب الغروب، وبدأت الدنيا تغيم أمام ناظريه، والأرض تميد تحت رجليه، ونقطة البداية لا تزال بعيدة، والجهد الجهيد جعله يتطوح كالثمل فأخذ ينفث دما، وها هو الآن أمام حياته أو الأرض، فظل يجري وهو يسمع صيحات متخيلة، يحسبها صيحات المشجعين والفرحين، وقبل ستين متر من نقطة البداية سقط ذلك الفلاح ميتا.