نعم أنا مصر ( 2 )
كتبت في المقال السابق ردًا على ما جاء في مقال (هل أنت مصر؟) لطلال سالمان الكاتب اللبناني ورئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية قبل أن تتوقف عن الصدور وقلت إن الكاتب رأى مصر بعيون ترى الصورة طشاش، وأنه لم ير أي إنجاز تحقق على أرضها منذ 30 يونيو، ويرى أن الأوضاع من سيئ إلى أسوأ، وصال وجال في الوصف والتعليق وكأنه من الكتاب الهواة الذين ينساقون وراء كلام لا معنى له ولا منطق فيه وقد توقفوا عند نقطة معينة وتخلفوا عن متابعة الأحداث ورصد المياه التي تدفقت في مجرى النهر وما زالت!
الكاتب بعد أن قال إن مصر مشغولة عن دورها العربي ووزنها الدولي، وأن مصر بلا روح نتيجة غياب الموقف تجاه القضايا العربية -وقد رددت عليه في المقال السابق– لم يتوقف عن الهرتلة التي كتب بها مقاله بلا رؤية أو معلومات دقيقة فقال: (السياسة الرسمية المصرية حرصت على استمرار الاتصال مع دمشق، بهدوء، حتى لا تستفز السعودية وبعض الخليج فتندفع إلى معاقبة مصر.. وبالمقابل، فإن العداء لإيران مستمر، بغير تفسير واضح أو تبرير مقنع..).
والحقيقة أن المتابع لمجريات الأحداث في المنطقة يعلم علم اليقين الذي لا يقبل تأويل أن موقف مصر تجاه أزمة سوريا لم يتغير وهو الحفاظ على الدولة الوطنية والجيش الوطني، وأن أمر بشار هو شأن خاص للشعب السوري، ولا أدري كيف استقام في عقل هذا الكاتب أن مصر تخشى أن تستفز السعودية وهو يعلم حالات التوتر بين مصر والسعودية التي حدثت بسبب تباين الموقف المصري من سوريا عن الموقف السعودي، والذي كاد أن يتطابق بعد جلاء الحقائق الآن، ويزيد الكاتب الطين بلة ولا يرى تفسيرًا لموقف مصر من إيران، وكأن إيران كما وصفها مسئول قطري في الجامعة العربية بالشريفة العفيفة!
موقف مصر من إيران لا يحتاج أن نبرره لك أو لحزب الله، ولعلك لم تتابع تصريحات الرئيس السيسي من خطورة إشعال حرب مع إيران أو حزب الله على الأمن القومي العربي، خاصة أن المنطقة كلها رهينة مؤامرة التقسيم الجديد للمنطقة!
ويستمر الكاتب في دس السم في معسول الكلام فيقول: ( أسوأ ما في الأمر: اختفاء "النكتة" في مصر، التي كانت الوسيلة الشعبية الممتازة للتعبير عن الموقف السياسي من الحكم، ومن الأزمة الاقتصادية أو من أحداث العالم..) ويربط هذه الجملة مباشرة بجملة تالية فيقول: (الحكم مفرد، لا شريك له)!
هنا يكمن سر الطبخة التي طبخها طلال سالمان في مقاله المسموم.. لكنه لا يدري كيف حول المصريون النكتة الضاحكة إلى عمل جاد على كل بقعة في مصر.. لا يرى كيف التف المصريون حول دولتهم وقرروا أن يشمروا عن سواعدهم الفتية في ملحمة بناء مصر الحديثة، ولا يرى الكاتب كيف خرجت مصر من النفق المظلم الذي أرادوه لها، وأرادوا ألا تخرج منه، لا يرى الكاتب جسور الحوار الممتدة بين الشباب ودولتهم.. لا يرى الكاتب كيف تواجه مصر مشكلات مزمنة، وكيف ترفع ركامها الذي طمرها لسنوات طويلة فائتة.. الشعب المصري يطلق نكاته الآن على من يحاولون الاستخفاف به، وعلى من يسعون بكل قواهم لفرملته عن الوثب العالي!
الكاتب لا يرى جدية الحلول وصعوبتها.. وكيف يتحملها الشعب المصري ثقة في قيادته، وأملا في مستقبل واعد ومشرق، ولا يرى كيف يواجه المصريون مشكلات الإسكان والطاقة والبنية التحتية التي تهالكت من سنوات.. لم تقع عيناه التي رأى بها العشش على أحياء سكنية كبيرة ومدن جديدة تستوعب الزيادة السكانية التي قال عنها إنها تتزايد كما يتزايد الفقر!
الكاتب سأل مصر في نهاية مقاله (هل أنت مصر؟) ومصر ترد عليه (نعم.. أنا مصر التي لا تعرفها.. لأنك لا تريد أن تراها كما هي الآن) هل وصلت الرسالة أم تحتاج إلى زيادة إيضاح يا سيد طلال؟