رئيس التحرير
عصام كامل

«فرنسا.. بين حالة الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب».. مرصد الأزهر: المسلمون تعرضوا لأكثر من 3 آلاف مداهمة دون إذن قضائي.. العديد منهم خضعوا لإقامات جبرية.. و«العفو الدولية»: الإجراءات

فيتو

منذ وقوع الاعتداءات الإرهابية بالعاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر عام 2015، يعيش المسلمون هناك فترات عصيبة ومُفزعة جراء فظاعة عمليات البحث والمداهمة التي تقوم بها جهات التحقيق الفرنسية، حيث يصاحب تلك المداهمات ترويع لرواد المطاعم وتفتيش للمساجد باستخدام الكلاب البوليسية، وانتهاج العنف سبيلًا لتفتيش المنازل، بالإضافة إلى السباب وتدنيس أماكن العبادة والتعدي على النساء، وهو ما يُخلف أضرارًا مادية ونفسية بالغة.


وعقب دخول قانونُ «الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب»، حيز التنفيذ منتصف ليل الأربعاء الأول من نوفمبر الجاري، وانتهاء العمل بحالة الطوارئ التي جرى مدُّها من قِبَلِ الجمعيةِ الوطنيةِ الفرنسية 6 مرات متتالية منذ أواخر عام 2015، تضاعفت مخاوف العديد من المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، من تزايد الاعتداءات، وتقييد الحريات، والتضييق على طائفة دون أخرى.

شد وجذب
ويشير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إلى أن إنهاء الحكومة الفرنسية لحالة الطوارئ - التي استمرت لمدة عامين - واقرارها العمل بقانون «الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب»، جاء بعد توقيع الرئيسُ الفرنسي على القانون في 30 من أكتوبر المنصرم، بحضورِ كلٍّ من المتحدث باسم الحكومة الفرنسية «كريستوف كاستانر»، ووزير الداخلية «جيرار كولومب»، وذلك بالرغم من حالةٍ من الشدِّ والجذبِ بين السياسيين الفرنسيين وعلى رأسِهِم الرئيس «ماكرون»، وأعضاء حكومتِهِ من جانب، وممثلي الجمعيات الحقوقية وناشطي حركات المجتمع المدني وممثلي حقوق الإنسان في فرنسا من جانب آخر، بسببِ رفض الأخيرين لمد حالةِ الطوارئ التي كانت تعيشها الدولةُ الفرنسيةُ منذُ قرابة العامين.

ممثلو الجمعيات الحقوقية وناشطي حركات المجتمع المدني، وممثلي حقوق الإنسان وحرية الأفراد في فرنسا، ينتقدون كذلك إقرار العمل بقانون «الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب»، بديلًا لحالة الطوارئ، معتبرين أن القانون «غير فعال» و«قامع للحريات».

ويهدف القانون المثير للجدل - الذي أقره البرلمان الفرنسي في 18 من أكتوبر المنصرم - إلى تعزيز صلاحيات السلطة الإدارية المتمثلة في وزارة الداخلية والمسئولين المحليين، في فرض تحديد نطاق حركة أيِّ شخصٍ والقيام بعمليات تفتيش وإغلاق أماكن عبادة ومراقبة الهويات عند الحدود، على أن يتم كل ذلك دونِ إذنٍ قضائي، لتشبه هذه الإجراءات إلى حدٍ كبيرٍ تلك الإجراءات التي سبق أن تضمنتها حالةُ الطوارئ والتي سمحت بحسب رأي الكثير من السياسيين والمسئوليين الفرنسيين بإحباط العديد من المخططات الإرهابية في البلاد، كما أحبطت الشرطة أحد المخططات الإرهابية من خلال البحث الإداري، التي أجريت في ظلِّ حالة الطوارئ من أجل حماية الفرنسيين وضمان أمنهم فيما يُعرف لدى الساسة الفرنسيين بقانون«حماية الأمة»، الذي تضمن مادتين حول «حالة الطوارئ» و«إسقاط الجنسية».

انتقادات عديدة
وتخلَّلَ حلقات حالة الطوارئ التي أعقبت هجمات باريس الدامية في نوفمبر من العام 2015، العديدُ من الانتقادات من قِبَلِ بعض السياسيين الفرنسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والكثير من جمعيات المجتمع المدني الداعمة للحريات وبعض المنظمات العالمية، والتي رأت في الإجراءات التي صاحبت حالة الطوارئ العديدَ من التضييقات والانتهاكات للحريات الفردية والكرامة الإنسانية، خاصة تلك التي واجهتها الجاليات الإسلامية في كافة أنحاء فرنسا، إذ تعرض المسلمون هناك لأكثر من ثلاثة آلاف مداهمة إدارية دونَ إذنٍ من القضاءِ، بالإضافةً إلى إخضاع العديد من الأفراد لإقامات جبرية نظرًا لأن السلطات ترى أنهم يُشَكِّلونَ «تهديدًا محتملًا» لأمن البلاد.

وكانت مواجهة تنظيمِ «داعش» الإرهابي، وحفظ أمن المواطنين الفرنسيين من أولى الأهداف التي سعت من خلالِها السلطات الفرنسية إلى تطبيق حالة الطوارئ ومد العمل بها لأكثر من ست سنوات على مدارِ عامين، ولعل رئيس الوزراء الفرنسي السابق «مانويل فالس»، عبر عن ذلك صراحة لشبكة «بي بي سي» التليفزيونية البريطانية في معرض إجابته عن تصوره للفترة التي ستستمر فيها حالة الطوارئ، قائلًا: «طالما ظلَّ الخطرُ قائمًا، فعلينا أن نستخدم كل الوسائل»، كما أكد في تصريح له خلال منتدى دافوس العالمي بسويسرا: «إنها حرب عالمية شاملة نواجهها مع الإرهاب.. الحرب التي نشنها يجب أن تكون شاملة وعالمية بلا هوادة».

فترة عصيبة
وكان من بينِ الانتقادات التي وجهت لإجراءات حالة الطوارئ ما وقع للجاليات الإسلامية خلال بعض المداهمات من أعمال عنف تزايدت بشكلٍ غيرِ مسبوقٍ حتى بلغَت حدَّ التجاوزِ، ليشهد المسلمون فترة عصيبة ومُفزعة جراء ما صحب الإجراءات من فظاعة عمليات البحث والمداهمة التي تقوم بها جهات التحقيق الفرنسية، حيث يصاحب تلك المداهمات ترويع رواد المطاعم وتفتيش المساجد باستخدام الكلاب البوليسية، وانتهاج العنف سبيلًا في تفتيش المنازل وهو ما يخلف أضرارًا مادية ونفسية بالغة، بالإضافة إلى السباب وتدنيس أماكن العبادة والتعدي على النساء.

وبرزت ما تلاقيه الجاليات المسلمة من أعمال عنف وفظاعة في عمليات البحث والمداهمة التي تقوم بها السلطات الفرنسية، في تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية، حيث أدانت المنظمة في تقريرها الصادر يوم الأربعاء 31 مايو المنصرم، تلك الانتهاكات العديدة التي تقع منذ سريان حالة الطوارئ في فرنسا، وأكدت المنظمة أن حالة الطوارئ السارية منذ 18 شهر في فرنسا في إطار مكافحة الإرهاب كانت «زائفة» ومستخدمة بطريقة «مسيئة».

ويوضح تقرير منظمة العفو الدولية - المشار إليه سابقًا - قائمة الاحتجاجات المحظورة، والاعتقالات الوقائية، والعنف «غير المحتمل» الذي يمارَس ضد المتظاهرين الفرنسيين، بعد سريان قانون الطوارئ المفروض منذ 13 نوفمبر 2015 في مساء يومِ الهجماتِ التي وقعت في باريس وسان دوني، والتي أودت بحياة 130 شخصًا.

منع التجمعات العامة
وتؤكد منظمة العفو الدولية، أن السلطات الفرنسية استخدمت في الفترة ما بين نوفمبر 2015، ومايو 2017، صلاحيات جديدة لإصدار 155 مرسومًا يمنع تنظيم تجمعات عامة، كما فرضت 639 إجراءً يمنع أفرادًا محددين من المشاركة في تجمعات عامة، منها 574 إجراء استهدف احتجاجات ترتبط بإصلاحات قانون العمل.

ووجه الباحث في منظمة العفو الدولية «ماركو بيروليني»، انتقادًا شديد اللهجة للسلطات الفرنسية بسبب الانتهاكات العديدة التي ترتكبها منذ سريان حالة الطوارئ في فرنسا، قائلًا: «بدلا من أن تستخدم قوانين الطوارئ في حماية الشعب الفرنسي من تهديد الإرهاب، فإنها تستخدم عوضًا عن ذلك في تقييد حرياته في الاحتجاج السلمي».

مواجهة الإرهاب
ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة الطرف، أن العديد من دول العالم لجأت إلى سن حزمة من الإجراءات والقوانين لمواجهة خطر الإرهاب الذي بات يهدد استقرار الجميع، بعد أن عاث الإرهابيون في الأرض فسادًا، وسفكوا بوحشية دماء الأبرياء في الشرق والغرب على حد سواء، وتبرز أهمية هذه الإجراءات والقوانين في الحد من وقوع العمليات الإرهابية وحفظ أمن الأمم، بشرط ألا تتخذ ذريعة لتقييد الحريات، والتضييق على طائفة دون أخرى.

ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أنَّ دخولَ قانون مكافحة الإرهاب الفرنسي حيز التنفيذ ليحل بديلًا لحالة الطوارئ التي استمرت على مدار عامين، يُعَدُّ خطوةً جيدة ومثمرة لضمان أمن الوطن والمواطن، بشرط ألّا يُسْتَخْدَم القانون للتنكيل بطائفة من طوائف الشعب الفرنسي أو التضييق عليهم في ممارسة حياتهم الطبيعية أو في أماكن عملهم أو عباداتهم، بل يجب أن يكون ضمانة أكيدة وفاعلة لحفظ حقوق الإنسان وحرياته الفردية وحرية أداء الشعائر الدينية لجميع الأجناس والجاليات.
الجريدة الرسمية