مؤامرة «العمائم السوداء».. إيران تدفع السعودية للسقوط في «فخ بيروت».. طهران تروج لسيناريو إجبار «الحريري على الاستقالة» لإنقاذ رقبة حسن نصر الله.. وباحث عراقي يكشف تفاصيل
"حرب أعصاب".. الوصف الأقرب لما يحدث على أرض لبنان، الأطراف كلها تقف على مقدمة أصابعها، لا شرعية إلا لصاحب التصريح الناري، لا وجود لـ"المنطق".. والعقل تراجع خطوات عدة للوراء بـ"فعل المؤامرة"، فبيروت على شفا حفرة من السقوط في "فخ الأزمة".. والرياض تحاول توضيح الصورة الحقيقية للعالم.. وطهران تسكب على خشب البيت اللبنانى مزيدًا من "الغاز" ليشتعل، لعل سحب الدخان التي ستغطى سماء لبنان –وقتها- تغطى على تجاوزات ذراعها هناك..حزب الله.
وما بين "صبر بيروت" و"عقل الرياض" و"جنون طهران" تقف القاهرة، تحاول "لملمة" الأحداث، جمع الأطراف المتصارعة على طاولة حوار، وابعادهم عن ساحة الحرب، فهى العاصمة الأكثر خوضًا للحروب في المنطقة، وتمتلك تاريخ من الخسائر والانجازات على أرض المعركة، يؤهلها لأن تكون "حكيم الأزمة"، ولا شيء آخر.
"أمن الخليج خط أحمر.. لكننا لا نوافق على خوض حروب أو الدعوة لحروب أو حتى الوقوف صامتين أمام دعاة الدمار".. مبدأ أرسته القيادة السياسية المصرية، بعد دقائق من اشتعال أزمة استقالة رئيس الوزراء اللبنانى، سعد الحريرى، الذي أعلنها وأقدامه تقف على الأراضى السعودية، الرئيس عبد الفتاح السيسي، يدرك أن الأمر أكبر من الاستقالة، يمتلك – بحكم منصبه- معلومات جعلته من البداية لا يلتزم بـ"خط الحياد"، ولا يقبل بـ"طريق الحرب"، جعلته يعلنها بأن "الحوار" سيقطع الأيدى التي تعبث في الشارع اللبنانى، لم يُسمى "السيسي" أسماء بعينها ترغب في "حرق بيروت"، لكنه أصر على "الوساطة" والمهادنة والحوار، وهو أمر قبل به لبنان، ولم تعارضه الرياض، ولن يرضى به من يريدها حربًا لا هوادة فيها.
"الشائعة تهزم الحقيقة".. سيناريو آخر كشفته الأيام الماضية، ففى الوقت الذي أعلنت فيه الرياض صراحة موقفها من الأزمة الدائرة في لبنان، تحركت تروس ماكينة الشائعات في المصنع الفارسى، فخرج من يتحدث عن احتجاز "الحريرى"، وصرح آخر بـ"عاصفة حزم " جديدة تقودها المملكة وحلفائها في المنطقة على بيروت، وصرخ آخر " انقذوا لبنان قبل أن يسقط في مستنقع الحرب الأهلية".. شائعات جميعها استطاعت السيطرة على المشهد، وارباك الصورة.. تلطيخها باللون الأسود، ومزجها بـ"رائحة الدم والبارود"، غير أن هذا كله لم يمنع أصوات عاقلة من أن تخرج وسط "سحب الشائعات" لتؤكد وجود أطراف تريد "تشويه سمعة المملكة"، والصيد في "الماء العكر"، وفى الوقت ذاته تسعى لـ"تهدئة الأوضاع" ووأد الفتنة التي يريدون اشعالها لتحرق المنطقة.
وما بين الحديث عن فخ تم نصبه، ومحاولة لـ"غسيل السمعة"، حاول مراقبون تحليل الأزمة المندلعة في لبنان، بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، والتصعيد السياسي من الجانب السعودي، مؤكدين أن الرياض تم توريطها في أزمة "استقالة الحريري" من قبل حلفائها في الداخل اللبناني، غير أن هذا التصور لم يرض فريق آخر، يرى أنه من الخطأ إبعاد إيران عن المشهد، موضحًا أن "طهران" تسعى من وراء الأزمة المشتعلة لتنفيذ سيناريو "غسيل سمعة" حزب الله اللبناني، سواء في لبنان أو على المستوى العربي، محذرًا من الشائعات التي تروج ضد السعودية، بينما جنح فريق ثالث إلى أهمية ضبط النفس واللجوء إلى لغة الحوار، لكن الجميع اتفقوا على ضرورة إبعاد سيناريو الحرب ضد لبنان، مشيرين إلى الحل التفاوضي للخروج من أزمة الاستقالة، لن يكون عبر أزيز الطائرات وأصوات الصواريخ، بل سيكون عبر طائرة حوار برعاية إقليمية ودولية.
من جانبه استبعد مساعد وزير الخارجية الأسبق، حسين هريدي، وقوع أي نزاع مسلحة في لبنان، لافتا إلى أن القوى السياسية اللبنانية تسعى إلى التهدئة وعدم التصعيد.
وقال: الوضع في لبنان يتوقف على قبول الرئيس ميشال عون استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وإذا تم قبول الاستقالة فأتوقع أن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط في لبنان بالتشاور مع القوى السياسية اللبنانية، ويجب التشديد هنا على أن أي مواجهات مسلحة لن تخدم لبنان، مؤكدا على ضرورة الحوار لتجاوز أزمة استقالة الحريري.
غسيل سمعة حزب الله
ولا نزال في "مربع الاستبعاد"، حيث استبعد المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي، توجيه السعودية ضربة عسكرية إلى حزب الله في بيروت، موضحًا أن القادة في الرياض لن يفعلوا ذلك تفويتًا على مخططات إيران بإعادة غسيل سمعة حزب الله في الشارع اللبناني والعربي عقب انخراطه في الصراع السوري.
وأضاف: استقالة الرئيس الحريري، كشفت الغطاء عن سياسية إيران في لبنان، ومحاولة لوضع حد من نفوذ وتغلل أدواتها المتمثلة في "حزب الله" داخل المؤسسات والدولة اللبنانية.
وأكد المحلل السياسي العراقي، أن الحريري، لديه معلومات عن عملية اغتيال دبرت له من قبل إيران وحزب الله، لذلك جاءت استقالته من السعودية، مطالبا الإعلام العربي بعدم التأثر بالرواية الإيرانية عن الاستقالة.
وتابع: الوضع في لبنان يتوقف على القوى السياسية اللبنانية، مؤكدا أن أن إيران تسعى إلى عملية تفجير الوضع في لبنان من أجل إعادة "غسل سمعة" لحزب الله في الشارع اللبناني والعربي بعد الحرب انخراطه في الصراع السوري، ومن يتولى ذلك قناة الجزيرة القطرية، كما فعل في 2006.
وأكمل: إيران وقطر تسعيان إلى شيطنة السعودية والترويج لأخبار كاذبة حول عملية استهداف حزب الله، ووضع الحريري تحت الإقامة الجبرية في الرياض، من أجل إظهار السعودية في صورة المعتدي وإيران وحزب الله بالدولة الصديقة وكذلك غسيل سمعة حزب الله في البلاد والبحث عن حماية شعبية له في أي مواجهات مع النظام الدولي في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية والخليجية ضد الحزب.
توريط السعودية
في حين دعا المحلل السياسي اللبناني، نضال السبع، المملكة العربية السعودية إلى مراجعة خطواتها تجاه الرئيس سعد الحريري، مشيرا إلى أن المملكة تم توريطها من قبل بعض كتبة التقارير خاصة أولئك الذين هم في صراع مع الرئيس سعد الحريري وعلى تواصل مع أركان الحكم في المملكة العربية السعودية، كما أن تعامل الرياض السلبي مع سعد الحريري، يثبت أننا أمام طلاق رسمي، لبنان بشكل عام والسنة بشكل خاص ليسوا ضمن الأجندة السعودية.
ودلل السبع، لـ«فيتو»، على ذلك، بتراجع السعودية عن تقديم هبة المليارات الثلاثة، المخصصة للجيش اللبناني وكلام الوزير ثامر السبهان حول اعتبار لبنان حكومة حرب.
وعن الوضع الاقتصادي والحديث عن سحب الودائع الخليجية من لبنان، قال السبع: "كل حديث عن سحب الودائع الخليجية من لبنان، ومغادرة الرعايا ليس له أي قيمة أو مفعول، الودائع سحبت قبل عام ولا يوجد رعايا خليجيون في لبنان، وضع لبنان الاقتصادي ممتاز، ما نسمعه في الإعلام، ما هو إلا تهويل على اللبنانيين من أجل إخضاعهم وهذا لن يحدث مطلقا".
ضربة عسكرية
أما فيما يتعلق بسيناريو المواجهة المسلحة في لبنان، فقد استبعد نضال السبع، وجود أي صراع مسلح، مؤكدا أن الحديث حول توجيه ضربة عسكرية لحزب الله من قبل العمليات الدعائية فقط.
وأكد المحلل السياسي اللبناني، أن السعودية غير قادرة على توجيه ضربة عسكرية إلى حزب الله دون غطاء دولي، بالإضافة إلى أن الوضع الإقليمي والدولي غير داعم لهذه الفكرة، كما أن السعودية تخوض حرب في اليمن وهي غير قادرة استراتيجيا على فتح جبهتين عسكريتين في وقت واحد.
ولفت "السبع"، النظر إلى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي أكد فيها على عدم تأييده لتوجيه ضربة عسكرية إلى حزب الله والتأكيد على الحوار لحل الأزمة، إضافة إلى أن الدور الروسي الداعم للحكومة اللبنانية في مواجهة أي زعزعة للاستقرار في لبنان.
وأشار إلى أن توجيه ضربة عسكرية من قبل إسرائيل، سيتعين بالضرورة تحرك إيران لدعم حزب الله، حيث لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي اعتداء إسرائيلي على حزب الله.
الفوضى الداخلية
وحذر "السبع" من سيناريو الفوضي الداخلية، حيث أكد وجود مخطط يتم عبر مخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين لإشعال الوضع في الداخل اللبناني، مشيرا إلى أن هذا السيناريو سوف يسبقه تحرك مدني لبناني عبر تظاهرات تطالب بنزع سلاح حزب الله، ومحذرا من تداعيات هذا السيناريو الخطير والمشبوه على الوضع اللبناني الداخلي.
كرة لهب
من جهته قال الخبير في العلاقات الدولية الدكتور محمد حامد: ما يحدث في لبنان بعد استقالة الحريري أشبه بكرة اللهب التي قد تنصاع في أي وقت وتحرق المنطقة، والرئيس عون حتى الآن يرفض استقالة الحريري قبل العودة إلى لبنان، وهو ما يشكل أزمة حيث إن البلد على شفا حرب أو حصار اقتصادي.
وأوضح حامد أن" بديل "الحريري" في رئاسة الحكومة اللبنانية لم يظهر حتى الآن، ولبنان أمام سيناريوهين "الحرب أو الحصار الاقتصادي"، ولهذا يجب أن يتراجع حزب الله خطوة للوراء ليتفادى ما يتم تحضيره له عالميا وإقليميا".
مصر تنزع فتيل الأزمة
من جانبه، قال مستشار مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، الدكتور حسن أبو طالب، إن مصر تسعى لنزع فتيل القنبلة وتعطيل محركات المقاتلات، والسير بلبنان نحو التهدئة والتسوية، موضحا أن مصر لها دور كبير تلعبه في منع انفجار الموقف في لبنان، وتحرص على ألا يكون أي هناك من نوع من أنواع الاعتداء على لبنان تحت أي ظروف أو وضع.
وأكد أبو طالب، لـ"فيتو"، أن منع مصر انفجار الوضع في لبنان يأتي عبر علاقتها بالقيادة اللبنانية والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، هذه العلاقات تساهم في نزع فتيل الأزمة عبر دور مصري مقبول من كل الأطراف، مشددا على أهمية أن تتفهم القيادة اللبنانية برئاسة الرئيس ميشال عون للتحرك والدور المصري، لأن هذا التحرك يصب في صالح الشعب اللبناني بجميع طوائفه والدولة اللبنانية ويحافظ عليها من صراع محتمل.
وأشار إلى أن مصر لديها علاقات قوية مع السعودية وهى طرف مباشر في الأزمة، في ظل استمرار وجود سعد الحريري في الرياض، وتستطيع مصر بعلاقتها القوية مع الرياض في التوصل إلى تسوية للأزمة.
وشدد على أن التفاهم المصري السعودي يميل إلى الاستقرار في لبنان، والمنطقة، ولكن على القيادة اللبنانية تفهم ذلك وأن تفرض رؤيتها على القوى السياسية بالبلاد وخاصة حزب الله، من أجل الوصل إلى تسوية للأزمة، مؤكدا أن مصر تعارض العمل العسكري ضد حزب الله ولبنان من أي طرف، وهي تستطيع إذا هددت إسرائيل لبنان وحزب الله أن تتواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل نزع فتيل أي حرب في لبنان. وتابع :كما قال الرئيس السيسي مصر ليست في وارد الموافقة على أي حرب ضد لبنان، ولكن يجب أن يتفهم الإيرانيون وحزب الله الدور والدافع المصري في استقرار لبنان والمنطقة.
واستبعد مستشار مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، حدوث حرب في الفترة الحالية، قائلًا: "حتى الآن لا توجد مؤشرات للحرب".
"نقلا عن العدد الورقي"..