محمد غنيم يكتب: اقتلوا شيرين عبد الوهاب!
على طريقة "بص العصفورة" يتأثر الرأي العام في مصر دوما بالموجة السائدة التي تأخذهم معها في قضية تظهر فجأة ثم سرعان ما تهدأ لتأتي موجة أخرى تأخذ المصريين معها، وهكذا... حتى يتم إشغال الرأي العام عن القضايا الأساسية والحقيقية التي تهم المواطن المصري.
تطفو اليوم على السطح قضية جديدة بطلتها الفنانة شيرين عبد الوهاب، بظهور فيديو لا يتجاوز عدة ثوان، تطلب إحدى الحاضرات للحفل أغنية "ماشربتش من نيلها"، لترد شيرين ممازحة لها: "ماتشربيش المياه كلها بلهارسية، اشربي مياه معدنية أحسن".
ثم فجأة تتعالى الأصوات الهادفة لذبح شيرين وشطبها من نقابة الموسيقيين، بين من يحاول إثبات تواجده بمبدأ "الزيطة"، ومن يصفي حساباته مع إساءات شيرين المسبقة له، ومن يستغل الموجة لإثبات وطنيته وإخلاصه لحبه لمصر ولمياه النيل، ولعل معظم هؤلاء يترفعون عن شرب مياه النيل.
تناسوا أن شيرين في الأصل هي صاحبة أغنية "مشربتش من نيلها"، وأن تلك الأغنية تركب عليها من كلمات ساخرة العديد ليسخر من حال المواطن المصري في عشقه للبلد.
من هذه السخرية تلك الكلمات على نفس اللحن: "مامرضتش من نيلها، طب فكرت في مشاكلها، دا الصرف داخل ع المياه فرتك معدتنا وبهدلها، مشيت بليل فيها طب ماتثبتش فيها، أحمد ربنا إنك عايش رجلك ماشي عليها"، وهذه الكلمات قام بتأليفها وغنائها بنفس لحن أغنية شيرين، مجموعة من الشباب وهي موجودة على موقع اليوتيوب.
المطربة شيرين هي من المصريات اللاتي اختلطت عروقهن بمياه النيل وأصالة بنات البلد والأحياء الشعبية، وهي إنسانة تتكلم بالفطرة "اللي في قلبها على لسانها"، سواء في الجد أو المزاح، لا تفكر كثيرا قبل أن تتكلم ولا تحاول أن تتجمل، صريحة بشكل كبير، ما تسبب ذلك في الهجوم عليها كثيرا والوقوع في أخطاء، والخلاف مع كثيرين ممن يرفضون صراحة شيرين، ويحاولون الحجر على حريتها فيما تقول من رأي تقتنع هي به وتقوله بتلقائية.
لا يتسطيع عاقل إنكار موهبة شيرين وأنها من الفنانات المصريات القلائل في الوقت الحاضر التي تحفظ للفن المصري تواجده في المحافل الدولية وأنها مطلوبة دائما لإحياء كبرى الفعاليات، ولها جمهور ضخم في الوطن العربي كله، وأنها حفرت لنفسها اسما كبير في تاريخ الفن المصري لن يتمكن أحد من محوه بسهولة.
إن من يحاول محاكمة شيرين ويهاجمها بكل ما أوتي من عزم وقوة، فعليه أن يتأنى ويسحب نفسا عميقا ويهدأ، فإن الشكوى من مياه النيل وتلوثها أمر يعلمه القاصي والداني، فمنذ أشهر قليلة أعلن محافظ الأقصر عن أن سبب زيادة مرضى الفشل الكلوي بسبب تلوث مياه الشرب بالمحافظة.
كما أظهرت تقارير أن 38 مليون مصري شربوا من المياه العادمة، مما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض بسبب العادات السيئة في التخلّص من النفايات والاستحمام وتنظيف الحيوانات في مياه النهر نفسها، ومن هذه الأمراض: مرض السرطان. مرض الفشل الكلوي. مرض التهاب الكبد. مرض الكوليرا. مرض التيفوئيد. مرض البلهارسيا.
تركنا أزمة سد النهضة وتلوث مياه النيل، وأزمة الصرف الصحي في العديد من المناطق في مصر، ومياه الشرب التي لا تصل إلى مناطق عديدة، وأزمة الغلاء ورفع الدعم، والتفت الجميع إلى كلمة شيرين رغم اعتذارها، ولكن البعض لا يريد سوى "الزيطة"، وتقمص أدوار البطولة الوهمية في بعض المواقف، وكأن لسان حال البعض يقول: "اقتلوا شيرين عبد الوهاب !"، ما هذا ؟!.