نعم أنا مصر (1)
تابعت بكل فخر المنتدى الدولي للشباب بشرم الشيخ الذي استطاع شباب مصر إنجازه بكل هذه الروعة والدقة والتنظيم الراقي ليصبح المنتدى بكل ما له وما عليه صناعة مصرية مائة بالمائة تؤكد أن جسور التواصل بين الدولة وبين الشباب أتت أكلها، وأن إيمان القيادة السياسية تجاه الشباب كقوة بناء وتقدم وحائط صد ضد كل المؤامرات التي تستهدف مصر سيظل هو الرافعة التي ترفع بنيان هذا الوطن عاليا حتى يكتمل الدور الذي يليق بمصر وبمكانتها بين الأمم.
وبينما أتابع ذلك الحدث المهم وأطالع وجهات نظر البعض من غير المصريين وقع نظري على مقال للكاتب اللبناني طلال سالمان رئيس تحرير صحيفة وموقع السفير اللبنانية المحسوبة على حزب الله اللبناني قبل أن يعلن توقفهما عن الصدور في مارس الماضي، وكانت الجريدة توقفت عن الصدور 3 مرات بقرارات صادرة عن الحكومة اللبنانية، كان آخرها عام 1993 حين صدر قرار قضائي بتعطيل الجريدة عن الصدور لمدة أسبوع بتهمة "نشر وثيقة تتضمن معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصًا على سلامة الدولة"، بالإضافة إلى العديد من الملاحظات بشأن سياسة تحريرها ضد بعض دول الخليج انحيازا لحزب الله مما أفقدها مصداقيتها عند الرأي العام ووضعها في حالة من الارتباك والضياع عبرت عن إفلاس إعلامي وأدبي لا يليق بالصحافة اللبنانية التي كانت مرجعا في الموضوعية والأخلاقيات حسب تصريحات كثير من الساسة في المنطقة!
مقال الكاتب طلال سالمان بعنوان (زيارة إلى البلاد التي تسأل ذاتها: هل أنت مصر؟) والحقيقة المقال زاخر بالمغلطات التي تستوجب الرد عليها، والتي ما كانت تصدر عن كاتب كبير ورئيس تحرير صحيفة قديمة كانت راسخة بين الصحف.. الكاتب –في تقديري– رأى مصر بعيون ترى الصورة (طشاش)، وبعقل أسير للمغالطات يتصيد السلبيات ويركز عليها، وببصيرة لا تناسب قيمة صحفية كنت أظنها تتصف بالحيادية وإعمال العقل في وصف الصورة أو قراءة التحول الذي يحدث في مصر ويقارنه بما يحدث في بلدان سقطت أو كادت تسقط بفعل ثورات الربيع العبري وفعل قوى إقليمية تريد السيطرة والهيمنة على المنطقة مثل إيران وذراعها حزب الله في لبنان الذي يتحدث الكاتب باسمه ويدافع عن سياساته.
المقال يقطر سما ناقعا وكأن كاتبه مأمور بأن يبحث في كل ظلال الصورة حتى تكون المكافأة كبيرة وعظيمة بقدر كمية السموم التي نفثها في حروف كلماته وسطور مقاله، والرد على ما جاء يحتاج لأكثر من مقال ربما أستطيع كتابتها، غير أنني توقفت أمام بعض الجمل التي تؤكد غياب الرؤية عند الكاتب:
قال: (مصر اليوم مثقلة بهمومها مشغولة عنك وعن دورها العربي ووزنها الدولي).. إلى هذا الحد طلال سالمان لا يرى دور مصر العربي، ولا يرى مواقفها الثابتة من قضية العراق أو سوريا أو اليمن ورؤيتها الواضحة التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية وجيوشها الموحدة.. تلك الرؤية التي يتحدث عنها المجتمع الدولي الآن بعد فشلهم في حل مشكلات هذه الدول ولعلنا نري التحول في سياسات الدول الكبرى الآن وبما يتفق مع الرؤية المصرية.. لكن الكاتب لأنه ينحاز لحزب الله وإيران فهو يرى موقف مصر متراجعًا لأنه ضد توجهات إيران في المنطقة، والمدهش أن الكاتب لم يلحظ –مجرد ملاحظة– كيف استطاعت مصر استرداد دورها الدولي في زمن قياسي بعد ثورة 30 يونيو، وكيف أقامت علاقات جديدة تتسم بالندية والتكافؤ مع معظم دول العالم، وكيف استردت دورها الأفريقي، وكيف وصلت لاتفاق مصالحة بين الفلسطينيين بعد 10 سنوات من الدم والقتال بينهما؟
الكاتب لا يرى في الصحافة المصرية غير الأخطاء الإملائية والنحوية، ولا يرى في الإعلام المصري الخاص والعام غير أخبار بلا روح، تستوي في ذلك أخبار المذابح الإسرائيلية في فلسطين ضد أهلها أو الاجتياح المتوحش لليمن والذي يكاد يذهب بحضارة البلد العريق وشعبه بطل الفتح الإسلامي والأذكى والأفقر بين العرب قاطبة!
طلال سالمان يريد أن يركز فقط على وصف مواجهة التمدد الشيعي في اليمن بأنه اجتياح متوحش، وكأنه حريص على شعب اليمن أكثر من حرصه على لبنان التي يختطفها حزب الله رهينة يبتز بها المنطقة لحساب إيران!
( نعم أنا مصر).. وللحديث بقية حتى يكتمل الرد على الكاتب في المقال القادم.