هيكلة القطاع العام من خلال الشراكة مع «الخاص»
إن أزمة اقتصاد مصر هو انفصال عقيدة القطاع العام (الاشتراكية الجذور) عن عقيدة القطاع الخاص (السوق الحر) وكانت أزمة مصر الاقتصادية الانتقال القصري إلى الاشتراكية خلال حكم ناصر ثم الانتقال العشوائي إلى السوق الحر إبان حكم السادات.. نجم عن ذلك وجود عقيدتين بل ومجتمعين منفصلين اقتصاديا، ثم تطور الأمر إلى انفصال اجتماعي وثقافي سبب أزمة سياسية هي ثورة يناير.
فإذا كان توجه البنك الدولي وصندوق النقد تأسيس انفتاح اقتصادي عالمي يحقق عولمة السوق الحر من خلال دفع حكومات الاقتصاديات الناشئة بخصصة أصول القطاع العام نحو خلق سوق حر وتفعيل التنافسية لفتح الأسواق للاستثمار الأجنبي، لكن السؤال إذا كان القطاع العام يعاني سوء إدارة الموارد وخسائر هل يتم البيع قبل أم بعد التأهيل لتحقيق أعلى سعر؟!
المثير للدهشة هو أن شركات حكومية مصرية خاسرة يتم خصصتها وبعد شهور يعاد بيعها بأعلى من ثمنها الأصلي بأضعاف، وهنا يبرز سببان إما أن أصول الشركة لم تقم بدقة وقد يشوب تقييمها فساد، أو أن المستثمر استطاع أن يعيد تأهيل الشركة إداريا لتحقق أرباح، وهنا تبرز تجارب دول في تطبيق علوم الإدارة المتطورة بتحقيق مبادئ total quality management إلى تطبيق 6sigma لتأهيل شركاتها وتحقيق أرباح، حيث إنها استطاعت أن تقدم نموذجا مختلفا مع تأهيل القطاع العام.
تجربة الصين
حققت الصين نموا يتخطى ١٠٪ سنويا لوجود مناخ اقتصادي فعال، أما أزمة الاقتصاد المصري فكانت بين تشوه الهوية بين الاشتراكية والليبرالية، لكن الصين نجحت بتحترافية في التحول الآمن وهنا يجدر بِنَا الإشارة إلى الفرق بين سياسة اقتصاديات ريجان، وإصلاح جانب العرض (الصين) وأيهما انسب نحو إصلاح الاقتصاد المصري، فقد دعت اقتصاديات ريجان إلى تبني رؤية مدرسة العرض الليبرالية الجديدة والنظرية النقدية (monetarism) وهي توارث لنظرية الحرية وعدم تدخل الدولة لآدم سميث، أما الصين فقد تبنت إصلاح نظام السوق الاشتراكي ومعالجة الجذور المختلفة نحو التنمية بدفع الهيكلة الصناعية وتكييف هيكل العرض مع تغير الطلب من خلال تلبية الاستهلاك الفعلي بمنتجات عالية الجودة مرتكزة على سياسات ماركس كأساس نظري، ويتركز محور قوة إصلاح جانب العرض على الاستفادة المشتركة للمجتمع كله من ثمار التنمية.
وهو ما مثل نقطة ضعف في برنامج الإصلاح الاقتصادي لحكومة أحمد نظيف، وقد ركز الإصلاح الاقتصادي الصيني على زيادة الاستثمار في الضمان الاجتماعي وتحسين الخدمات الاجتماعية للشعب الصيني في إصلاح هيكلي عميق ومستدام، من خلال تحويل نمط النمو الاقتصادي القائم على الاستهلاك المحلي نحو القوى المحركة لدفع النمو المستمر من خلال مفاهيم التنمية (الابتكار والتناسق الأخضر والانفتاح والتمتع المشترك).. في حين أن اقتصاديات ريجان ركزت على إنعاش الاقتصاد من خلال خطة قصيرة الأجل.
وفي لقاء سابق مع ممثلي شركة saic الصينية التي اشترت مصانع شركة MG الإنجليزية ثار الشعب الإنجليزي حينها لأنه فوجئ أنها شركة صينية حكومية الملكية بفكر القطاع الخاص ومرونته، وتشعب الحديث عن تجربة الصين التي بدأت بعملية الهيكلة من خلال هيئة عليا الهيكلة تراقب جودة الإدارة وفاعليتها والتحول بالنظام الإداري من الصلب إلى المرن الذي يميز القطاع الخاص، خاصة في التوظيف من حيث الفصل والتعيين ووضع الحوافز والعقوبات التي تراها الإدارة مناسبة.. هذا وقد وضعت الدولة خطة لتواجدها في قطاعات إستراتيجية دون غيرها مثل الطاقة والاتصالات والطيران بما تمثله من قطاعات حساسة إلى جانب تواجدها في قطاعات أخرى مثل الأسمنت والحديد والسيارات والإلكترونيات..
إلى جانب تحفيز المنافسة بين المحافظات لتوجيه ٢٥٪ من ضرائب المبيعات و٤٠٪ من الضرائب لذات المحافظة، بما خلق روح المسئولية لدى الموظف والمواطن نحو الاقتصاد، وبدأت التجربة في بداية التسعينيات حيث كانت شركات القطاع العام هي مدن مترهلة بها مدارس ومستشفيات وبها ملايين العمال وكانت تحقق خسائر بكل المقاييس، وقد رفضت الحكومة الصينية الخصخصة لكن الدولة خاضت معركة التأهيل وفي بعض الأحيان اعتمدت على بيوت الخبرة في الرقابة على الجودة والتطوير الإداري بما يضمن الاندماج مع الاقتصاد العالمي، من خلال مرونة النظام واستيعابه للتطور المستمر واعتماد التكنولوجيا وعلوم الإدارة بل إن التوظيف والفصل والمرتبات المرنة خضع لمرونة فائقة مرتبطة بتحقيق الأرباح.
تجربة الإمارات
ظروف الثقافة الإماراتية تتقاطع مع الثقافة المصرية لكن.. أشهر الشركات إعمار التي ترتدي ثوب القطاع الخاص المرن والمتطور مع ملكية حكومية وتطرح أسهمها في البورصات العالمية، إلى جانب طيران الإمارات وموانئ دبي التي تقتنص مناقصات دولية تنافس أسعار القطاع الخاص ولا تتكبد أعباء القطاع العام المصري مثل العمالة الزائدة، وقد حققت الشركات الثلاث مليارات الدولارات من الأرباح لذا تساوى أسهمها المليارات.
الشراكة بين القطاع العام والخاص
الكثيرون لا يدركون نجاح تجارب في السوق المصري بل وتعجبوا من القوانين التي شرعها الرئيس التي تتيح تفعيل الشراكات، وقد طرحت الحكومة مشروعات عقارية بفكرة الشراكة بين القطاع الخاص (المطورين) والحكومة، ولعل أهم التجارب هي ملكية المصرية للاتصالات لنسبة ٤٤٪ من ملكية فودافون التي ترتدي ثوب القطاع الخاص بجدارة وتحقق أرباح ناشئة عن نظام إداري مرن فعال، وهنا يكمن الهدف هو الاعتماد على نظم إدارية ينتهجها القطاع الخاص على أيدي خبراء واستشاريين إداريين لتحقيق استقرار لشركات الدولة الخاسرة وإعادة تأهيل.. ثم يطرح السؤال نفسه الخصخصة أو استمرارية ملكية قطاع عام مربح مع طرح أسهم في البورصات العالمية لتحقق تصدير الأسهم المحلية كحل لجذب الاستثمارات الأجنبية طويلة الأجل؟