محمود أبو حبيب يكتب: «الإمام والبابا.. عندما تتعانق الأديان»
بات العالم ينظر باهتمامٍ بالغٍ إلى رمزى السماحة؛ الإمام الأكبر شيخ الأزهر وإمام المسلمين الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، نظرة تقدير واحترام، بعد إصرارهما الشديد، وحرصهما الذي تجاوز كل الحدود على إقامة جسور المحبة والسلام بشتى ربوع العالم –شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا- ليضربا معًا مثلًا يُحتذى لرجال الدين –الإسلامى والمسيحى- للخروج عن صمتهم الذي عكفوا عليه طويلًا، ما جعل البعض يظن أنهم راضون عن كل انتهاك ضد الإنسانية والبشرية جمعاء اتخذ الدين –أيًا كان- ستارًا له، ليبرهنا للعالم بأن الأديان رافضةُ لكل ما يحدث من جرائم لا تمت للأديان بصلة، وصراعات وحروب لا يقرها شرعٌ ولا تقبلها عقيدةٌ أيًا كان معتنقيها، وأن الأديان متعانقة لا يوجد ثمة خلاف بينها، وأن كلًا منها محاط بمجموعة من الأحكام تهدف لإصلاح حياة أتباعها.
الحقيقةُ أنني مستبشرٌ كل الاستبشارِ بهذا الرجل الرمز النادر في أيامنا هذه، والرجل الذي يحمل بين جنبيه قلبًا مفعمًا بالمحبة والخير والرغبة الصادقة في أن ينعم الناس -كل الناس- بالسلام والتعايش المشترك"؛ هكذا عبَّر الإمام الطيب عن شعوره الجياش تجاه رمز دينى كبير بحجم قداسة البابا فرانسس الذي يتقاسم معه هموم الإنسانية، ويسعى قدر جهده كي يحقق مع فضيلة الإمام الأكبر حلم الشعوب جمعاء- مسلمين ومسيحيين- بالسلام العادل والشامل.
البابا فرانسيس أراد أيضًا أن يُوجه رسالة من خلال لقائه الحميمى بالإمام الأكبر؛ وهي أن قادة الأديان تربطهم أقوى علاقة وأنبلها عندما جسَّدها قداسة البابا فرانسيس بخلع عباءة الدبلوماسية وكسر حواجز البروتوكولات وأمسك بيد أخيه الإمام الأكبر متوجهين، سيرًا على الأقدام، إلى منزله الخاص القريب من المقر البابوي، في مشهد يعبر بصدق عن الأخوة الصادقة التي تربط بين الرمزين الدينيين الأبرز في العالم، والتواضع السمح الذي يمثله أتباعهما وإن كانا أكبر قامتين على رأسهما.
كما جسَّد اللقاء التاريخى بما لا يدع مجالًا للشك مثالًا حيًا، مشهودًا ومرئيًا، لتعانق الأديان على أرض الواقع، ما يذكِّرنا جميعًا برحلة الإسراء المعراج، عندما التقى النبي صلي الله عليه وسلم بإخوانه من الأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى وصلى بهم إمامًا، إذ كانت رسالة من الأنبياء إلى الناس كافة بأن الأديان متعانقة ومتوافقة على قيم واحدة، لكونها خرجت من مشكاة واحدة تهدف جميعها إلى قيم التسامح والتعايش من أجل إرساء مجتمع إنساني متكامل تربطه قيم مشتركة وتؤكد أنها ضد أي خلاف أو تنافر لأن الأديان ما أتت إلا لإصلاح حياة البشرية كلها.. سلام الله على الصالحين، المخلصين أهل الوسطية، سلام الله على محبى السلام وصانعيه، سلام الله يظلل هذه الأنفاس العطرة التي تفوح من أفواه الداعين للعدل والمساواة والحرية أينما حلوا.. سلام الله على الإمام الطيب وسلام الله على قداسة البابا فرانسيس رمزى السلام في الإسلام والمسيحية.