مرصد الأزهر يكشف جهل داعش.. التنظيم الإرهابي انتقل من «النصية» إلى «التدليس واللصوصية».. أفكاره وليدة من «الخوارج».. هذه حقيقة النصوص المتخذة ستارًا لقتل الأبرياء
كيف يفكر عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي. وهل هم أصحاب فكرٍ وأيديولوجيةٍ خاصة. أم أنهم مجرد متطرفين يزهقون الأنفس البريئة دون ذنب ويعيثون في الأرض فسادًا؟. وإذا كانوا أصحاب فكرٍ ومنهج فما هي الطرق الاستدلالية لاستنباط الأحكام التفصيلية عندهم؟
هذه التساؤلات وغيرها يجيب عليها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في التقرير التالي الذي يُعد محاولة متأنية لتعريف العالم بما يدور داخل عقول «الدواعش» وأقرانهم من الجماعات المتطرفة، وفي الوقت ذاته دراسة تكشف بالأدلة القطعية زيف ما يدعيه هؤلاء الإرهابيين.
في البداية تجدر الإشارة إلى أن الإجابة على هذه التساؤلات ستضيء لنا الكثير من الدروب المظلمة في طريق مواجهة هذا التنظيم الإرهابي وسعي العالم الحثيث للتخلص من شروره، ويجب أولًا أن ينتبه المهتمون بمعرفة أدق التفاصيل عن هذا التنظيم الإرهابي أن «داعش» ليست حركة إرهابية ذات فكرٍ وإيديولوجيةٍ خاصةٍ، فتناولهم من هذا المنظور الخاطئ جملة وتفصيلا لن يمكننا من رسم صورة واقعية تعكس الإطار الإيديولوجي لهذه الحركة، والأصح هو تناول هذا التنظيم الإرهابي باعتباره إحدى الحركات الوليدة من الظاهرة «التكفيرية» التي مُنيت بها الأمة منذ ظهور الخوارج في القرن الأول الهجري وحتى يومنا هذا.
عقلية الدواعش
وإذا أردنا فحص «العقلية الداعشية»، سنجد أنهم وأقرانهم من الجماعات المتطرفة يحسبون أنفسهم على المدرسة «النصية»، بل ويدعون أنهم حُماتها ورجالاتها الذين نفروا في سبيل الله إحياءً لهذا المنهج وذودًا عنه، وأمام هذه الادعاءات الباطلة يجب علينا أن نستبصر الحق، ونكشف بما لا يدع مجالًا للشك زيف هذه الادعاءات وبطلانها.
إن أول ما يجب أن نتناوله - إذا أردنا أن نستكشف أبعاد المنهج «النصي» الذي تدعيه داعش وأقرانها - هو أن نرصد الأصول العامة أو ما يسميه الأصوليون بالأدلة الكلية التي يعتمدها الفكر الداعشي، ثم ننتقل ثانيًا إلى طرقِ الاستدلال لديهم، وهذا التناول يطرح أمامنا تساؤلٍ هامٍ: ما هي الطرائق الاستدلالية لاستنباط الأحكام التفصيلية عندهم؟
«داعش» والمدرسة النصية
وسنعرض للإجابة على هذا السؤال بعض الشواهد التي ترشدنا إلى استكشاف المنهج الاستدلالي الداعشي، فمن المعروف أن أصحاب المنهج النصي يتمسكون بحرفية ما ورد في نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، فلا اجتهاد في حكم منصوص عليه، وهذا جعلهم يعطلون عددًا من الأدلة الكلية المعمول بها عند جمهور الفقهاء.
وإذا كانت المدرسة النصية - وفق بعض أهل العلم - قد ضيقت الأفق الاستدلالي فهذا يرجع إلى الإفراط في القول بحرفية ما تحمله العبارات مع عدم الاعتناء بفحوى الخطاب أو السياقات أو القياسات.
والإطار العام للمنهج النصي - كما بيناه في الفقرة السابقة - يُلزمنا أن نتوقف مع بعض المقارنات الموجزة بين سمات هذا المنهج، وبين المنهج الاستدلالي العام لدى «داعش» وأقرانها الذين يدعون انتمائهم لهذه المدرسة، أولًا: المدرسة النصية تتشدد في اشتراطات صحة الحديث حتى يصلح للاستدلال، وقد احترموا هذه الشروط على طول الطريق دون حياد عنها، وفق ضوابط ومعايير تبنوها في الجرح والتعديل، وصحة المتن.
أكاذيب وادعاءات
وتزعم «داعش» أيضًا تشددها في شروط الأخذ بالأحاديث، إلا أن أفعالهم على أرض الواقع تثبت عكس ذلك؛ فمن المسلم به عندهم أن الأحاديث والأخبار الضعيفة «لاتصلح للاستدلال الفقهي بحالٍ من الأحوال» - هكذا يزعمون - إلا أنهم كذبوا أنفسهم في قضية «حرق الطيار الأردني» حين استدلوا بالأثر الوارد عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بأنه أحرق مرتكب «الشذوذ» ثم هدَم عليه، وفي هذا يقول ابن حجر:
«أما الإحراق فروى ابن أبي الدنيا من طريق البيهقي ومن طريق ابن المنكدر أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق أنه وجد رجلًا في بعض نواحي العرب يُنكح كما تُنكح المرأة فجمع أبو بكر الصحابة فسألهم فكان أشدهم في ذلك قولًا عليٌ بن أبي طالب فقال: نرى أن نحرقه بالنار فاجتمع رأي الصحابة على ذلك.. قلت وهو ضعيف جدًا ولو صح لكان قاطعًا للحجة» (ابن حجر، الدِّرَايَةُ فِيْ تَخْرِيْجِ أَحَأدِيْثِ الْهِدَايَةِ، تحقيق السيد عبدالله، دار المعرفة، بيروت، ص : 102).
إحراق الطيار
ثانيًا: المدرسة النصية، مثل جل المدارس الإسلامية، يعتبرون الإجماع واحدًا من الأدلة الكلية، ويحترمونه تمامًا.
وهذا الأمر يختلف عند «داعش»، فهم يدعون ذلك ويخالفونه في آن واحد؛ ففي ذات الحكم الذي تبنوه في قضية إحراق «الطيار الأردني» - المشار لها سابقًا - خالفوا ما أجمع عليه متأخرو الأمة بتحريم حرق العدو بالنار، وقد قال الإمام ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني: «أما العدو إذا قُدر عليه، فلا يجوز تحريقه بالنار، بغير خلاف نعلمه، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأمر بتحريق أهل الردة بالنار، وفعل ذلك خالد بن الوليد بأمره، فأما اليوم فلا أعلم فيه بين الناس خلافًا». (ابن قدامة، المغني، دار إحياء التراث العربي، القاهرة، ط 1، 1985م، ج 9، ص : 230)، وبهذا تكون «داعش» خالفت إجماع الأمة الصريح في هذه المسألة.
ثالثًا: المدرسة النصية - رغم اختلافنا معهم في العديد من القضايا الكلية والمسائل التفصيلية - إلا أنهم كانوا أوفياء للنص، محترمين لأمانة النقل دون اقتطاع أو تصحيف أو تحريف.
مبررات القتل
وفي هذه الجزئية نجد أن «داعش» تعتمد - على سبيل المثال - في تبرير تنفيذ عملياتها الإرهابية وما يقترفه أعضاء منظومة «الذئاب المنفردة» - الأعضاء الذين يقومون بأعمال تفجيرية فردية في جميع أنحاء العالم - على الآية القرآنية: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)، غير عابئين بالأقوال الصحيحة التي تؤكد أن الآية كانت مناسبتها في إحدى المعارك، والدليل أن الضمير في «اقتلوهم» عائد على «المحاربين» الذين يحملون السلاح على المسلمين.