رئيس التحرير
عصام كامل

المولد في طنطا.. حلاوة زمان في رحاب شيخ العرب (فيديو)

فيتو

الاحتفال بالمولد النبوي في رحاب السيد البدوي بطنطا له مذاق مختلف عن الاحتفال في باقي محافظات الجمهورية، فروحانيات التصوف وعبق التاريخ لهما أثر عميق في النفوس.


ولا يكتمل الاحتفال بالمولد النبوي في مدينة شيخ العرب إلا بالمرور في «الأثرية»، المنزوي بعيدًا عن أعين المارة، لكن بالتأكيد ستجذبك نحوه رائحة الحلوى المنبعثة من كل ركن من أركان الشارع.

في «الأثرية» أيادِ تعمل بكد ونشاط لا ينقطعان، أصوات أغانِ، ومشهد مسرحي من الطراز الأصيل، لأشخاص بات شغلهم الشاغل، صناعة "البهجة" وتصديرها لكافة محافظات المحروسة.

"صناعة حلوى المولد في طنطا"، فلكلور تراثي يعود لمئات السنين، فتلك الرائحة التي تنبعث من مصانع الإنتاج، يتواجد مثلها في بعض أحياء مصر القديمة، لكن يظل لها المذاق الخاص في مدينة طنطا.

"إحنا من سنة 1913 شغالين في صناعة حلاوة المولد"، بفخر يتحدث الحاج بلال، مدير أحد مصانع الحلوى، عن جذورهم الممتدة في قلب هذه الصناعة منذ قرابة قرن من الزمان.

"أبطال خلف الكواليس" 

خلف الكواليس يختبئ الأبطال الحقيقيون لأي عمل إبداعي في طور اكتماله، للخروج إلى النور، قد تكون ظروف العمل حولهم صعبة بعض الشيء، لكن ما سيؤول إليه هذا التعب، حتمًا ينسيهم ما هم فيه.

في أجواء صاخبة تتداخل فيها أصوات العاملين مع الماكينات، تنزوي "جميلة" في ركن بعيد، أمام ماكينة دائرية، تقطع الحلوى في شكل دائري وتضعها بجوار بعضها في إناء كبير، قائلة "بقالي أربعين سنة في الشغلانة دي، كل موسم مولد النبي نقعد قبلها بشهر نشتغل".

الماكينة التي تجلس أمامها جميلة ليست الوحيدة، فعملية التصنيع لها مراحل متعددة ومتشعبة، تبدأ بإفراغ السكر على الماء المغلي، ثم فرده على سطح ألومنيوم كبير، ونقلها لجهاز شفط الرطوبة والهواء، ثم "المكد"، الذي يجعلها تبدو أكثر ليونة وبياضًا.

ثم تنتقل الحلوى البيضاء إلى ماكينة "المقص والزير"، التي تتولى شئون تشكيلها، في دوائر أو مربعات وخلافه، ثم تأتي بعد ذلك مرحلتي التهوية والتغليف، عبر ماكينة يجلس عليها سيدة ورجلان، تنساب قطع الحلوى أمامهم على الحامل الطويل، فيضعونها صوب الفوهة المعبأة بالأكياس، ومن ثم تنتقل الحلوى إلى مرحلة التعبئة في أشكال ثلاث "العروسة والفاخرة، والعلب النحاسية"، وبذلك تكون جاهزة للخروج إلى المستهلك.

الحلوى في طنطا "على كل لون"
في كل عام يستحدث عمال مصنع الحلوى في شارع الأثرية، أصنافًا جديدة، فلم يعد الأمر مقتصرًا على "الفولية" و"الحمصية" و"الجوزية"، و"الملبن"، ويؤكد "أحمد داوود"، المشرف على مراحل الصناعة داخل المصنع، أنهم ينتجون نحو 50 صنفا، "إحنا قبل مولد النبي بشهرين بنبدأ في الشغل، عندنا فوق الـ50 صنفا ما بين النوجا والحمص وملبن الجيلي والمكسرات والمشمش"، فضلًا عن "الشغل السياحي"، الذي يتم تصديره إلى المدن السياحية في مصر.

فعلى مدار شهرين وما يعادل تسع ساعات يوميًا، ينكب نحو مائتي عامل، كل يعرف وجهته، ينطلق نحوها في الثامنة صباحًا، حتى يتوسط شهر ربيع الأول، وتحل ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يخرجون إلى المحال التابعة للمصنع، يتجادلون والابتسامة تعلو وجوههم، وهم يرون نتاج مجهودهم، في بسمة على وجه طفل، أو عبارة  "كل سنة وأنت طيب" يتبادلها زبائنهم.
الجريدة الرسمية