رئيس التحرير
عصام كامل

محمد حميدة يكتب: ما بين «الصحوات والحشد الشعبي» العراق ما بعد داعش

محمد حميدة
محمد حميدة

تساؤلات عدة باتت تفرض نفسها بشأن ما بعد تطهير الأراضي السورية والعراقية من دنس التنظيمات الإرهابية بنهاية العام الحالي، ولعل السؤال الأبرز يتعلق بالوضع الداخلي لكل من العراق وسوريا والصراع الذي سينشب بين المكونات الموجودة على الأرض سواء من قوات أجنبية أو مكونات محلية كما هو الوضع في سوريا الذي سأتحدث عنه في المقال اللاحق.


الوضع في العراق يختلف نسبيا عن الوضع في سوريا فلا توجد هناك قوات أجنبية على الأرض سوى القوات التركية، وهي ليست بالمعضلة الكبرى ويمكن أن تنسحب من الأراضي التي تتمركز فيها، يضاف لذلك المستشارين العسكريين سواء كانوا من الولايات المتحدة أو إيران، وذلك حسب التصريحات الرسمية، وإن كانت هناك عناصر أخرى فإنها ليست مؤثرة بشكل كبير.

بانتهاء العام يكون دور التنظيمات الإرهابية قد انتهى إذا تمكنت كلتا الدولتين من طرد ما تبقى من عناصر التنظيم، لينتقل الصراع إلى مرحلة أخرى خاصة أن المحورين الرئيسيين يتنافسان على مد نفوذهما في المنطقة، هما المحور الروسي والمحور الأمريكي، وفيما يبدو أن الوضع في العراق لا يراد له الاستقرار، خاصة أن الإدارة الأمريكية ومنذ احتلالها للعراق في 2003 تتلاعب بكافة الخيوط والأطراف لاستمرار مشهد التوتر في العراق، وخلال الفترة الأخيرة ركز الجانب الأمريكي بشكل واضح على فصيل سيكون محور الصراع على الأراضي العراقية في مرحلة ما بعد «داعش»، ولعل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون التي قال فيها: "حان الوقت لعودة مستشاري إيران والفصائل المدعومة من قبلها لديارهم بعد أن ساعدوا العراق على هزيمة داعش"، قابلها موقف مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي اعتبر التصريحات تدخلا في الشئون الداخلية.

وفي إشارة الرد بأن المقاتلين في صفوف الحشد عراقيون وطنيون قدموا التضحيات للدفاع عن بلدهم ملمح هام، هو أن المرحلة المقبلة ستتصادم فيها الرؤى بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية، ومع تأكيدنا على أن العراق يجب أن يكون لكل تكتلاته السنية والشيعية، إلا أن المتابع لسياسات الولايات المتحدة في العراق سيفطن جيدا أن تصعيد الحشد الشعبي في الفترة الأخيرة شبيه بـ«الصحوات» وهو التجمع السني الذي دفع به لمواجهة تنظيم القاعدة في 2006 وأقصى الحشد بعد أداء مهمته في 2010 بشكل دفع بعض عناصره للانضمام لتنظيم القاعدة الذي تحول إلى داعش فيما بعد.

تصريح مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون العراق «جوزيف بينيجتون» يعد إشارة واضحة للفترة المقبلة خاصة أنه قال: «إن كلفة إعمار العراق تبلغ عشرات المليارات من الدولارات والسعودية أبدت استعدادها شرط خروج إيران وفصائلها المسلحة من العراق»، بالتأكيد أنه لا يختلف أحد على أن العراق للعراقيين فقط من سنة وشيعة ولا يجب أن يكون هناك أحد من خارج العراق لا من إيران ولا حتى من السعودية، إلا أن دلالة التصريح هنا تؤكد على خطة حل الحشد الشعبي الذي اعتبرته العراق أحد مكوناتها الأمنية وهو ما سيخلق نزاعا جديدا في الداخل العراقي بإشراف الإدارة الأمريكية لا أقول إنها تريد أن تبسط يد السعودية في العراق على حساب إيران بل يمكن القول إنها تريد خلق محور آخر للصراع في العراق إلى جانب المحاور الممتدة على الأراضي السورية.

في النهاية الأمر من وجهة نظري الشخصية أتصور أنه على العراق أن يكون حذرا جدا خاصة فيما يتعلق بآلية التعامل مع المكونات الداخلية وألا يكون ملف الحشد الشعبي هو الأداة التي تكمل استنزاف العراق وتدميره، وأن يكون هناك عقلاء من كافة الأطراف لإعلاء المصلحة الوطنية التي تشمل وتضمن حقوق الجميع، وعلى الشعب العراقي أيضا أن يعي ذلك أن الهدف من وراء الزج بالملف الإيراني تارة والسعودي تارة ما هو إلا استخدام لأرضهم لتصفية حسابات يمكن أن ينأوا بأنفسهم عنها، فالعراق كما أعلنت حكومته الحالية مرات عدة أنها تقف على مسافة متساوية من كافة الأطراف وأنها تمد يدها للجميع ولا تريد أن تكون مع طرف على حساب طرف آخر.. أتمنى أن تكون مرحلة ما بعد داعش مرحلة جديدة في تاريخ العراق وألا تكون إعادة لفترة ما بعد الصحوات بشكل آخر.
الجريدة الرسمية