رئيس التحرير
عصام كامل

بدلا من مواكب النفاق!


لا يحتاج الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تلك المواكب، التي تتنافس فيما بينها على مطالبته بالترشح لخوض دورة رئاسية قادمة، وكأنه قرر العزوف عن ممارسة حقه الدستوري، بقدر احتياجه إلى من ينقل إليه بأمانة نبض الجماهير التي اصطفت خلفه في ٣٠ يونيو، في مشهد سيتوقف أمامه التاريخ طويلا، ثم تفرقت بهم السبل خلال السنوات الثلاث الماضية من حكم الرئيس، منهم من اتخذ موقفا سلبيا وقرر الانزواء والابتعاد عن السياسة، ومن حاول أن يمارس حقه الدستوري في معارضة بعض سياسات النظام.. من موقع تصحيح المسيرة.. لا تعطيلها.. فكان مصيره الضياع في غياهب السجون، وفريق آخر اختار الطريق الأكثر ضمانا.. التأييد المطلق وتشويه كل من تسول له نفسه الاعتراض على قرار تتخذه السلطة.


وبقي تحدي استعادة تحالف ٣٠ يونيو من أصعب المهام أمام الرئيس القادم، وهي مهمة عاجلة لا تحتمل التأجيل، خاصة أن التفويض الشعبي للرئيس السيسي في الدورة الأولى لم يكن على بياض، إنما على تحقيق برنامجه المعلن في إقامة دولة مدنية تستند إلى القانون، الذي يضمن الحريات العامة، ولا يفرق بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو الطائفة، وإنما يرسخ مفهوم المواطنة.

وما أعلنه السيسي من انحيازه للفقراء من أبناء الشعب الذين يمثلون الأغلبية، والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة، وما تضمنه مشروعه من إقامة حياة ديمقراطية سليمة، توفر لأصحاب التوجهات السياسية المختلفة إقامة أحزاب تعبر عنهم، وتعتبر المعارضة جزءا من النظام لا يستقيم الحكم في غيابها، وقبل كل ذلك احترام حقوق الإنسان وتمكينه من حقه في العلاج المناسب.. والتعليم الجيد، والتصدي للفساد.

بعض تلك الوعود تحقق، ومازال معظمها يواجه عقبات تحول دون تنفيذها، فبالرغم من إعلان عشرات الأحزاب الجديدة فإن الشارع لم يشعر بفاعليتها، ومعظمها أحزاب على الورق فقط تحصنت داخل مقراتها.. وفشلت في الالتحام بالجماهير، ومسئولية الفشل يتحملها قادة تلك الأحزاب.. وتتحمل الدولة جانبا من المسئولية، لأن مفهوم المعارضة الوطنية لم يتبلور بعد لدى من يقودون المسيرة.

من المفترض أن يقدم الرئيس السيسي رؤية واضحة لسياسات جديدة، تخفف من آثار القرارات الاقتصادية التي تحملها الفقراء والطبقة المتوسطة، وكيفية مشاركة الأغنياء في تحمل فاتورة الإصلاح.

وإذا كانت قضية إصلاح التعليم غابت خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فلا يمكن أن يستمر غيابها خلال السنوات القادمة، لأن غيابها يعني إفشال أي خطوات تسعى للإصلاح.

المصالحة بين الشباب والحكم.. مهمة عاجلة أيضا، ولا أحد يعرف لماذا توقف الإفراج عن دفعات جديدة من المحبوسين الذين لم يشاركوا في أحداث العنف، وإذا كان الرئيس السيسي طرح قضية تجديد الخطاب الديني خلال الدورة الحالية، فإن اتخاذ خطوات جادة تلزم مؤسسات الدولة جميعها بتحقيق هذا الهدف.. مهمة تأتي في مقدمة أولويات المرحلة القادمة.

تلك هي المطالب الشعبية التي كان يجب أن تصل إلى الرئيس القادم.. بدلا من مواكب النفاق.
الجريدة الرسمية