كلام من القلب مع الشقيق الخليجي
كانت المملكة العربية السعودية، تفضل دومًا انتهاج مبدأ الدبلوماسية المساندة وليست المُبادئة، وخلال فترات طويلة أيضًا كانت مصر، بمثابة الواجهة السياسية المعبرة عن الأمة العربية وعن مواقفها وتوجهاتها، وعلى مضي العقود التي حدث خلالها توافق مصري سعودي وفق هذه التركيبة، ومن ثم توافق مصري عربي، لم يثبت ولا مرة واحدة أن مصر، قد ورطت كل أو بعض العرب أو غامرت بتصدرها المشهد السياسي في المنطقة، وهذا ليس تحيزًا ولكنه واقع تؤكده حقائق تاريخية ثابتة.
كانت المملكة العربية السعودية، تدعم تصدر مصر المشهد السياسي في المنطقة، ترجمة لحقائق التاريخ والجغرافيا، التي تؤهل مصر لتصدر هذه المكانة، ومضت الأمور العربية بهذه الوتيرة بصورة مرضية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، سواء خلال سنوات التجهيز لحرب أكتوبر ١٩٧٣، أو خلال أحداث الحرب.
وأحدث انتصار أكتوبر تأثيرات اقتصادية إيجابية هائلة على الدول الخليجية وبالأخص المملكة العربية السعودية، فقد تضاعف سعر برميل البترول نحو عشر مرات من ثلاثة دولارات إلى أكثر من ثلاثين دولار، في الوقت ذاته وعلى العكس تمامًا كانت التأثيرات الاقتصادية السلبية مضاعفة على الاقتصاد المصري، فقد تعاظمت المعاناة الاقتصادية التي واجهها المصريون في كل أحوالهم المعيشية، بعدما بات لازمًا وبعد نصر أكتوبر، التحول إلى اقتصاد البناء بعد أن ظل اقتصاد حرب لأكثر من ربع قرن (1948 - 1973).. وخلال سنوات ما بعد الحرب، فشلت كل محاولات الرئيس السادات في تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة، وربما تركزت أو اقتصرت المساعدات العربية وبالأخص من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، آنذاك، في إعادة إعمار مدن القناة.
ومع تصاعد حدة الموقف الاقتصادي خلال منتصف قترة سبعينيات القرن الماضي، وقعت أحداث ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، على خلفية محاولات الحكومة المصرية تحقيق إصلاح اقتصادي.. في نفس العام لم يجد الرئيس السادات مخرجًا من الأزمة الاقتصادية الخانقة، سوي التحول فرض واقع جديد في المنطقة ينهي الحروب وويلاتها، قام بزيارة القدس طارحًا مشروع للسلام الشامل، ينهي النزاع العربي الإسرائيلي، ويعيد الحقوق المفقودة للشعب الفلسطيني، ويعيد الأرض العربية المحتلة لكل دول المواجهة، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وتبوأت بغداد المشهد السياسي محل القاهرة، وقاد الرئيس العراقي صدام حسين ما وصف في حينه بدول الصمود والتصدي، ولكن وبعد نشوب الصراع العراقي الإيراني، بعد نجاح الثورة الإيرانية، تكشفت الحاجة الماسة لعودة مصر لتتصدر مشهد الصدارة السياسية في المنطقة العربية، وهو ما حدث بالفعل في ثمانينيات القرن الماضي، وأعاد العرب علاقاتهم التي قطعوها بمصر.
وتجلى الاحتياج العربي لمصر وتصدرها المشهد، في العام ١٩٩٠، في تلك الليلة المظلمة التي غزت فيها قوات الجيش العراقي أراضي دولة الكويت، وتهدد أمن الخليج، كما لم يتهدد من قبل، ولم يكن من مخرج آمن، سوى القمة العربية الطارئة التي دعت لها واستضافتها القاهرة، كان هذا هو المخرج الآمن للخليج ودولة، رغم عدم اقتناع البعض بهذه الحقيقة حتى اليوم.
أعقب ذلك، مبادرة النصاب الأمريكي، بوضع أقدامه على أرض الخليج، وكانت الدوحة هي الوجهة المختارة المفضلة من كل الأطراف لإقامة أكبر قواعد للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، فلم يكن مقبولا شعبيًا وسياسيًا أن تحط القوات الأمريكية في أي بقعة أخرى في أرض الخليج بخلاف الدوحة!
وجاءت إدارة جورج بوش الابن لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ووقعت أحداث ١١ سبتمبر لتشتعل النيران في مساحات مختلفة من العالم، تحت لافتة مزعومة "محاربة الإرهاب"، وكان احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين، متزامنًا مع بزوغ سيادة مصطنعة لإيران في منطقة الخليج ولا تزال!
خلال السنوات الأخيرة ضعفت مصر لأسباب متعددة، وظن حكام الدوحة أنهم قادرون على إدارة دفة العالم العربي، ولكن حدث ما تابعناه جميعًا، وعاد التوافق المصري السعودي الذي أظنه حجر زاوية للعبور بالأمة العربية من أزمات ومخاطر عديدة.