توابع استقالة «الحريري» وسيناريوهات الأزمة مع السعودية
لم تكن المشكلة هذه المرة استقالة الحكومة اللبنانية ورئيسها، فالعارف بالسياسة اللبنانية يعلم أن استقالات الحكومة أمر تعود عليه اللبنانيون.. الزلزال الذي ضرب لبنان هذه المرة هو أن قيام سعد الحريري رئيس وزراء لبنان بالاستقالة في كلمة مسجلة من المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي جعل البعض يتكهن أن سعد الحريري من بين رجال الأعمال الموقوفين في السعودية بتهم الفساد، حتى أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، قال إن رئيس وزراء لبنان أُجبر على الاستقالة.
النشاط الذي قام به سعد الحريري خلال اليومين السابقين سعى لدحض الشائعات التي تقول إنه رهن الإقامة الجبرية بالسعودية، فخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز لن يستقبل موقوفًا أو متهمًا بالفساد، هكذا قال ثامر السبهان، وزير الدولة السعودية لشئون الخليج العربي في مداخلة مع تليفزيون "العربية"، كما أن سعد الحريري قام أمس بزيارة لأبوظبي التقى خلالها مع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ثم عاد إلى الرياض.
في لبنان قام زعماء الكتل السياسية ورؤساء الأحزاب بزيارة رئيس الجمهورية ميشال عون للتشاور معه في توابع استقالة سعد الحريري في ظل رفض ميشال عون قبول الاستقالة حتى عودة الحريري من السعودية، أو إلى أن "يُتاح" لرئيس الوزراء تقديم استقالته بنفسه حسب تعبير الرئاسة اللبنانية. رؤساء الأحزاب والكتل السياسية المختلفة قاموا بزيارة مفتي الجمهورية اللبنانية، المفتي عبد اللطيف دريان للتشاور أيضًا.. المثير للدهشة في زيارة الزعماء السياسيين لدار الإفتاء هو أن الهدف من مقابلة المفتي التشاور وتأكيد الوحدة الوطنية، ولكن ما علاقة دار الفتوى اللبنانية بالأزمة السياسية؟ سأجيب عن هذا السؤال لاحقًا في إطار شرح سيناريوهات الأزمة.
زادت الأسئلة والتكهنات أمس حول أسباب عدم عودة سعد الحريري إلى لبنان، في ظل تصريحات ثامر السبهان وزير الدولة السعودية لشئون الخليج العربي، بأن السعودية ستعامل حكومة لبنان على أنها "حكومة إعلان حرب"، وأن لبنان قبل استقالة الحكومة ليس مثل لبنان بعد الاستقالة، وفي ظل تصريحات عادل الجبير وزير الخارجية السعودية بأن الصاروخ الإيراني الذي أطلقه الحوثيون مساء السبت يعتبر بمثابة إعلان حرب.
وفي ظل تكرار شخصيات سعودية مسئولة الحديث عن "الحرب"، يبدو السؤال هنا: هل ستحارب السعودية حزب الله في لبنان؟ الأمين العام لحزب الله -حسن نصرالله- قلل في كلمته في أعقاب استقالة رئيس الحكومة اللبنانية من فكرة الحرب على لبنان، لكن مخاوف اللبنانيين تتصاعد في ظل الاختفاء الإعلامي لـ "سعد الحريري"، وزادت هذه المخاوف مع تعدد الأسئلة: فلماذا لم يعد سعد الحريري من الرياض حتى الآن؟ ومتى سيعود؟ وحتى إذا كان سعد الحريري قرر البقاء في السعودية، فلماذا لم يستقيل في مؤتمر صحفي علني؟ ولماذا لم يعقد مؤتمرًا صحفيًا ليرد على شائعة تحديد إقامته وضعه تحت الإقامة الجبرية؟
سيناريوهات الأزمة مع السعودية يمكن تحديدها بعد الإجابة عن السؤال التالي: ما دلائل صمت سعد الحريري؟ صمت سعد الحريري يعني أن القرار السعودي حول الخطوة القادمة في لبنان لم يتبلور بعد، وأن المملكة تدرس حاليا خيارات معاقبة حزب الله أو خيارات القضاء عليه حسبما يشير الخطاب الإعلامي الصادر عن السعودية.. الإشارة الثانية التي ترسلها السعودية للبنانيين، هي أنه يمكن للسعودية إن أرادت أن تجعل اللبنانيين شاخصي الأبصار في انتظار القرار السياسي الذي ستتخذه المملكة وأنها يمكن أن تقلب الحياة السياسة في لبنان رأسًا على عقب بين عشية أو ضحاها، وأن السعودية تملك في لبنان مساحة سياسية أكبر من تلك التي تملكها إيران.
السيناريو الأول – إذا – أن تشن السعودية حربا على لبنان لضرب حزب الله، وهو سيناريو مستبعد، لأسباب لوجيستية، كما أن السعودية لا تملك أماكن وجود قوات حزب الله، وهو من الناحية العسكرية سر نجاحه، فلبنان ليس به قواعد عسكرية واضحة أو قوات متمركزة لحزب الله، ولا أحد يعرف كيف يتحركون.
السيناريو الثاني أن تقوم السعودية بتحريك الشارع السني في لبنان ضد حزب الله.. وزير العدل السابق أشرف ريفي يبدو الشخصية الأكثر قربًا للمملكة، وبخاصة بعد معارضته الدائمة للسلطة التي يمارسها حزب الله على الحكومة ولأنشطته، ومعارضته لسعد الحريري شخصيًا، وهو لذلك الشخصية الأقرب لأي دور سياسي للطائفة السنية.. هنا تبدو الإجابة عن السؤال المرتبط بزيارة السياسيين اللبنانيين لدار الفتوى اللبنانية، فتحركات السياسيين في لبنان وزيارتهم لدار الفتوى كان هدفها محاولة إيقاف هذا السيناريو أو حث المفتي على عدم دعم ورعاية هذا السيناريو.
السيناريو الثالث، هو أن تقوم إسرائيل بالهجوم على لبنان.. رغم إمكانية حدوث هذا السيناريو، فدلائله لا تصب في مصلحة السعودية، فهجوم إسرائيل على حزب الله الآن يعني أن هناك تنسيقا بين المملكة والكيان الصهيوني.. وحتى إذا كان التصعيد السياسي والإعلامي من الجانب السعودي هو إشارة لإسرائيل كي تهاجم حزب الله، فلماذا لم ترسل السعودية هذا الإشارة بشكل غير معلن.
السيناريو الرابع، هو أن تشن السعودية حربًا على إيران باعتبارها المسئولة عن دعم الحوثيين ودعم حزب الله بالسلاح، وبخاصة بعد محاولة الحوثيين ضرب السعودية بصاروخ باليستي تمكنت المملكة من إسقاطه.. هذا السيناريو ممكن لكنه سيقود المنطقة لحرب ضخمة لا نعرف متى ستنتهي.
لا يمكن لأحد أن يجزم بالإجراءات التصعيدية التي قال الوزير ثامر السبهان إن السعودية ستتخذها في الأيام المقبلة، فالحرب الكلامية تتصاعد، لكن الأكيد أن صمت سعد الحريري حتى الآن، يشير إلى أن هناك شيئًا ما يتم تدبيره، وأن المنطقة على شفا حرب أكبر من حرب اليمن.