تغير المناخ.. سبب جديد لتأجيج نزاعات مسلحة وموجات نزوح جديدة
عندما تنحبس الأمطار أو تهطل بغزارة كبيرة وتسبب فيضانات، فإن ذلك يكون كارثيا وخطيرا. ويدرك المحللون والخبراء العسكريون منذ مدة أن تغير المناخ يساهم في تأجيج النزاعات وما تؤدي إليه من نتائج كارثية وموجات نزوح.
وسط نيجيريا في قرية صغيرة لجأ أشخاص إلى مدرسة ابتدائية بحثا عن الحماية، لكن بلا جدوى، حيث لقي 29 شخصا حتفهم. وهم ضحايا نزاع مستفحل منذ سنوات بين رعاة ماشية ومزارعين.
في هذا النزاع المنسي في نيجيريا قُتل في السنوات الـ 15 الأخيرة أكثر من 60 ألف شخص، ما يساوي أربعة أضعاف ضحايا تنظيم بوكو حرام الإرهابي.
وهذا النوع من النزاعات بين رعاة الماشية والمزارعين الصغار نعرفه من أفلام رعاة البقر الأمريكية، إلا أنها تمثل واقعا في كثير من بلدان أفريقيا. وفي حال جفاف المراعي المعروفة وبحث مربي الماشية الرحل عن مراع جديدة، فإن نزاعا لابد منه سيقع على غرار ما يحدث لدى تغير المناخ الذي يهجر مزارعين صغارا يبحثون عن أراض أخرى للزراعة كانت تعبرها في السابق قطعان الماشية. هكذا وصف الكتاب السنوي الجديد لمعهد بحوث السلام في ستوكهولم الوضع.
مدير هذا المعهد دان سميث أكد في مقابلة مع DW على الارتباط بين تغير المناخ والأمن: "تأثيرات تحول المناخ تساهم مع عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية في خلق ظروف تنفجر فيها نزاعات عنيفة".
وهذا الوضع ليس جديدا، لكنه يتطور أكثر. ففي عام 2008 حذر خبير علم النفس الاجتماعي هارالد فيلتسير في كتابه بعنوان "حروب المناخ" من انهيار أنظمة اجتماعية نتيجة لتغير المناخ.
وفي عام 2012 تنبأت وثيقة مشتركة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية بأن "الكثير من الدول المهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ستعاني خلال السنوات العشر المقبلة من نقص في الماء أو من فيضانات". وهذا سيرفع من خطر عدم الاستقرار والدول الفاشلة إضافة إلى توترات إقليمية.
وبعدما صنفت وزارة الدفاع الأمريكية تغير المناخ كخطر أمن قومي، اعترف في يونيو 2016 الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أيضا بالبعد الأمني السياسي لتغير المناخ.
تغير المناخ محفز للمخاطر
لا يمكن الربط مباشرة بين تغير المناخ والنزاعات العنيفة، إذ أن أسباب التصعيد لدرجة الوصول إلى نزاع دموي متشعبة. ونقترب من تبيان المرافقة عنما ننظر إلى تغير المناخ كمحفز للمخاطر
. وهذا ما يقوله أيضا روب فان ريت من مجلس المستقبل العالمي الذي يهتم بالمناخ والنزاعات. ويشرح فان ريت أن "هذه التهديدات الموجودة أصلا، مثل الموارد المحدودة والفقر المدقع والجوع والإرهاب أو إيديولوجيات متطرفة، تتزايد مخاطرها وحدتها من خلال تغير المناخ".
ويحذر دان سميث الباحث معهد بحوث السلام، من أن انعكاسات تغير المناخ وما يسببه من جفاف وفيضانات ليس له تأثير محلي فقط، إذ أن انعكاسات ذلك وظواهر الطقس الحادة تؤثر على الأسعار العالمية للغذاء وتتسبب من خلال ارتفاع الأسعار في نزاعات.
وقال مدير معهد بحوث السلام: "في كل مرة ارتفعت فيها أسعار الغذاء في الأسواق العالمية، تحدث مظاهرات وصدامات، وبالتالي عدم استقرار اجتماعي وسياسي في 30 حتى 40 بلدا في آن واحد".
وفي الإشارة إلى المناطق التي يظهر فيها هذا الارتباط جليا، أشار دان سميث إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وقال: "في سوريا ومصر واليمن يظهر تغير المناخ جليا وسط فسيفساء من أسباب النزاعات".
وحتى روب فان ريت يعتقد أن سوريا مثال نموذجي على نزاع متفجر أحد أسبابه تغير المناخ، فأكبر جفاف دفع في منتصف 2000 حشودا من المزارعين إلى التخلي عن الزراعة والهجرة إلى مدن تعاني من ضغط سكاني.
كما أن "تراجع مخزون المياه وارتفاع أسعار الغذاء، والمعاناة نتيجة ذلك والفوضى الاجتماعية ساهمت في الاضطرابات الأصلية التي خرجت بعدها عن السيطرة وأدت إلى النزاع الذي نراه اليوم"، يضيف روب فان ريت.
ويعبر فان ريت عن قلقه من الدول التي تملك أسلحة نووية مثل باكستان، وكيف ستتعامل مع انعكاسات تغير المناخ. ويضيف أن باكستان مستهدفة من تغير المناخ بوجه خاص، وهذا يظهر من خلال الفيضانات المثيرة والمتزايدة سنويا.
ويؤكد أنه "بغض النظر عن أن هذه السيول تنزع من البشر أسس حياتهم، فإن لها تأثير مباشر على أمن المنشآت النووية".
الهرب من التغير المناخي
والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ كارثية. وكم سيكون حجم الخسائر الاقتصادية بسبب تغير المناخ، هذا ما يبحثه معهد "ميركاتور لتغير المناخ" في برلين، حيث يدرس ماتياس كالكول بيانات 1400 منطقة مختلفة في العالم.
ويؤكد أن نسبة كبيرة من المردودية الاقتصادية وبالتحديد في البلدان الاستوائية ستتراجع بنسبة كبيرة. ولم تتضمن توقعات ماتياس كالكول الخسائر بسبب الكوارث والإعصارات وارتفاع منسوب مياه البحر.
وإذا تعرضت مناطق بكاملها للفقر، فقد يؤدي ذلك إلى موجات هجرة أكبر في العالم، وبالتالي زيادة الضغط داخل حدود البلد الواحد والتسبب في أزمات دولية.
ومنذ منتصف 1980 أصدرت منظمة البيئة التابعة للأمم المتحدة تعريفا للاجئ البيئي. وحذرت مؤسسات أخرى من أن الهجرة قد تصبح أسوء نتيجة لتغير المناخ.
فما الذي يجب فعله لاسيما بالنظر إلى حقيقة أن الأمر سيستغرق عقودا إلى حين ظهور مفعول سياسة المناخ في حال تنفيذها؟ مدير معهد بحوث السلام في ستوكهولم دان سميث يطالب بإنشاء مؤسسة تابعة للأمم المتحدة تهتم بالمخاطر الأمنية وتنقل استنتاجاتها للمنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة مثل برنامج الغذاء العالمي.
ماتياس فون هاين/ م.أ.م
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل