ثمن التلوث.. كيف يمكن لاقتصاد السوق إنقاذ المناخ
تحول الطاقة في ألمانيا ماض على قدم وساق رغم أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون لم تنخفض منذ سبع سنوات. فهل هناك ركود في حماية المناخ؟ وهل تجارة الانبعاثات في أوروبا غير ناجحة؟
تتطلع ألمانيا إلى تقليص مستوى الانبعاثات السامة حتى 2020 بأربعين في المائة أقل مما كانت عليه عام 1990. وهذا الهدف لم يجر بعد تحقيقه في الوقت الذي يوجد فيه نظام أوروبي لتجارة الانبعاثات لتقليص حجم أوكسيد الكاربون منذ عام 2005.
ولفهم هذا الأمر يجب العودة إلى الأسس. فالتحكم في تحول المناخ يعني تقليص أوكسيد الكاربون، لأن هذا الأخير هو السبب الأول في سخونة الأرض. وبالطبع من الممكن منع انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون أو أن نترك تجاذبات السوق تعمل لبلوغ هذا الهدف.
والفكرة وراء ذلك هي أنه إذا كان لثاني أوكسيد الكاربون سعر ويتسبب بالتالي في تكاليف، فإن الشركات لها تحفيزات للاستثمار في تقنيات بديلة لتقليص انبعاثاتها. وهذا يبدو من الناحية النظرية منطقيا، لكن هل تعمل السوق أيضا من الناحية التطبيقية؟
طريقان وهدف واحد
وفي الأثناء يوجد العديد من المناطق في العالم التي يرتبط فيها أوكسيد الكاربون بسعر. وبعض الدول تراهن على ضريبة ثاني أوكسيد الكاربون، وفي ذلك تحدد الدولة مستوى الضريبة التي تُدفع مقابل كمية معينة من أوكسيد الكاربون.
فالحكومة تحدد إذن السعر لثاني أوكسيد الكاربون والشركات تقرر في أي حجم تريد إطلاق أوكسيد الكاربون في الهواء أو أنها تستثمر في بدائل. وعلى هذا النحو تحدد السوق مجمل الكمية لثاني أوكسيد الكاربون التي تُطلق في الهواء.
والإمكانية الثانية تتمثل في إدراج نظام تجارة انبعاثات يحدد إجمالي الكمية من ثاني أوكسيد الكاربون التي تُطلق في الهواء ويترك للسوق تحديد السعر.
وفي هذا النظام تحصل الشركات على شهادات تسمح لها بإطلاق كمية من ثاني أوكسيد الكاربون في الجو. وفي حال حصول انبعاثات أقل، فبإمكان الشركات بيع تلك الشهادات، إلا أنه في حال تجاوز الكميات المحددة تشتري الشركات شهادات أكثر.
ومن خلال عملية العرض والطلب يتشكل سعر في السوق لانبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون. وهنا تحصل الشركات على تحفيزات للاستثمار في تقنيات نظيفة. كما أن مجمل كمية حقوق التلوث تتقلص في كل سنة.
تجارة أوروبا غير كافية
وقبل 13 عاما قرر الاتحاد الأوروبي اعتماد نظام تجارة الانبعاثات الذي تنتمي إليه دول الاتحاد الأوروبي الـثمان والعشرين إضافة إلى النرويج وآيسلاندا وليشتنشتاين.
وتتسبب منشآت المصانع في نحو 45 في المائة من الانبعاثات السامة في أوروبا. ومنذ عام 2012 تم أيضا إدراج مواصلات الجو الأوروبية في تجارة حقوق الانبعاثات. فما يبدو جيدا للبيئة برهن إلى حد الآن على عدم فعاليته. فهل فشلت السوق؟
لا! فالسوق عملت بفاعلية، إلا أن السياسة لم تؤطر النظام بشكل صحيح: فمنذ البداية تم إصدار شهادات كثيرة، كما أن جزءا منها تم التبرع به. والمراد كان تفادي أن تغادر القطاعات المستهلكة بكثافة للطاقة مثل صناعة الأسمنت والصلب منطقة الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى ذلك حصلت منذ 2008 انبعاثات أقل مقارنة مع إصدار شهادات في السوق.
ووجود عرض مرتفع من الشهادات يؤدي إلى سعر منخفض لثاني أوكسيد الكاربون الذي وصل في 2016 إلى أقل من أربعة يورو للطن الواحد من أوكسيد الكاربون.
وبالتالي لا يمكن لنظام تجارة الانبعاثات أن يعمل على هذا الأساس، كما ينتقد بعض الخبراء. أضف إلى ذلك أن الصناعة الثقيلة في أوروبا تمكنت بين 2008 و2015 من تحقيق ربح تجاوز 25 مليار دولار عندما واصلت بيع الشهادات الصادرة.
والآن يعتزم الاتحاد الأوروبي تقليص عدد الشهادات وبالتالي تخفيض الفائض تدريجيا للرفع من سعر ثاني أوكسيد الكاربون. لكن يجب على الدول الأعضاء والبرلمان لأوروبي والمفوضية الأوروبية أن تتفق على طريقة عمل محددة.
سعر أدنى لثاني أوكسيد الكاربون
ويبقى السعر الحالي لثاني أوكسيد الكاربون في الاتحاد الأوروبي منخفضا. وإذا لم يرتفع السعر، وجب على ألمانيا اتخاذ إجراءات لوحدها لبلوغ أهدافها. وتتمثل إحدى الإمكانيات في تحديد سعر أدنى لثاني أوكسيد الكاربون، إذ أن بريطانيا حددت سعرا أدنى، مما أدى إلى تحقيق نجاحات كبيرة. لكن الخبراء يطالبون أيضا في إطار إدراج سعر أدنى في ألمانيا باتخاذ إجراءات، كي لا يرحل إنتاج الكهرباء أو الصناعات المسببة بكثافة لثاني أوكسيد الكاربون إلى الخارج. وإذا استوردت من هناك المنتجات المرتبطة بكثافة بثاني أوكسيد الكاربون إلى ألمانيا، فإنه لن يحصل في النهاية توفير للانبعاثات.
وإذا ما قلص بلد ما في إطار نظام تجارة الانبعاثات الحالي في أوروبا من كميات انبعاثاته بحيث يبقى عدد كبير من الشهادات في السوق، فإن السعر سيواصل الانخفاض وسيسمح ذلك لبلدان أخرى بإطلاق انبعاثات سامة أكثر
جميع القطاعات ليست مدرجة
وهناك مزيد من النواقص في نظام تجارة الانبعاثات الأوروبي إلى جانب السعر المنخفض. فبهذا النظام لا يتم سوى تغطية 50 في المائة من كمية انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون في الاتحاد الأوروبي.
ولا يتم بوجه خاص مراعاة انبعاثات حركة المواصلات. لكن الهدف هو التوصل إلى سعر أعلى لثاني أوكسيد الكاربون في جميع القطاعات. فالزيت والغاز مثلا، ويُستخدمان في توليد الدفء، يخضعان لضريبة منخفضة. وهنا يجب الرفع من مستوى الضريبة لتحقيق مفعول مشابه لنظام تجارة الانبعاثات.
التعامل العالمي مع ثاني أوكسيد الكاربون
وكيف هو الوضع في أجزاء أخرى من العالم؟ في 2017 عمل أكثر من 40 بلدا و25 منطقة على إدراج أنظمة تجارة الانبعاثات أو ضرائب لثاني أوكسيد الكاربون. وهذا يشمل حسب بيانات البنك العالمي نحو 15 في المائة من مجموع انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون العالمية. والمبادرة الأكبر في هذا الاتجاه تخطط لها حاليا الصين التي تنتج أكبر قدر من أوكسيد الكاربون، وهي تريد الآن حتى 2018 إقامة تجارة انبعاثات تشمل حتى 10.000 شركة من مختلف القطاعات مثل إنتاج الصلب والطاقة والورق. والبلد الثاني المتسبب في الانبعاثات السامة هو الولايات المتحدة الأمريكية.
وحتى لو أن الرئيس دونالد ترامب يريد الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، فإنه يوجد في الولايات المتحدة الكثير من المبادرات لتقليص أوكسيد الكاربون. وفي 2012 أدرجت كاليفورنيا كأول ولاية نظام تجارة انبعاثات. وفي أغسطس من العام الجاري أعلنت تسع ولايات في شمال شرق الولايات المتحدة توسيع تجارتها الإقليمية بشهادات ثاني أوكسيد الكاربون في العقد المقبل.
الأسعار المعتمدة منخفضة
المبادرات الكثيرة الموجودة على مستوى العالم لها قاسم مشترك: وهو أن سعر ثاني أوكسيد الكاربون منخفض جدا للحفاض على سخونة الأرض تحت درجتين مئويتين. ويشير الخبراء إلى أنه يجب على كل طن واحد من ثاني أوكسيد الكاربون حتى 2020 أن يصل إلى سعر بين 40 حتى 80 دولارا ليرتفع هذا السعر حتى 2030 إلى 50 و100 دولار للطن الواحد.
وتوجد بعض البلدان التي حددت منذ الآن أسعارا مرتفعة لثاني أوكسيد الكاربون، ففي السويد مثلا يتم دفع أكثر من 126 دولارا للطن الواحد من الانبعاثات السامة، وفي سويسرا توجد ضريبة بمستوى 84 دولارا.
والسعر ليس منخفضا فحسب، بل يتم دعمه على مستوى العالم بمتوسط 150 دولارا للطن الواحد. ومازال العالم بعيدا عن تحديد سعر موحد لأوكسيد الكاربون، لكن الأمر المطلوب حاليا هو إقامة أنظمة محلية لتجميع الجهود لاحقا.
لكن الخبراء يعتقدون أنه من الضروري على بلدان العالم أن تتوصل بعد 2030 إلى سعر موحد لبلوغ هدف درجتين مئويتين لاتفاقية باريس، واعتماد نظام تضامني بين الدول الغنية والفقيرة لتفادي الانعكاسات السلبية للمنافسة على بعض البلدان.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل