مصر بين دولة السيسى ودولة الجماعة 39
أذهلني الكثيرون ممن يوصفون بالنُخبة خطأً، حينما وقعت أحداث 25 يناير. كنت غير مُصدق ما أُشاهده وأسمعه من غباء تعليقاتهم المُعتدية على شخصية مصر عبر القرون، وليس على مدى حكم مبارك لمصر فقط. كانوا يُشكلون أساسا خوفيا على مصر المُستقبل. فإن كانت تلك العقول، هي التي تُدعى بالنُخبة، فكيف يُفكر المصريون العاديون إذن؟!.
وقد قال لي أحد النُشطاء، بأن خطأ النُشطاء الشباب كان ناتجاً عن "قلة خبرتهم"، فقلت له، هذا عُذر أقبح من الذنب، لأن المصريين، ليسوا "فئران تجارب" يعملون عبيدا بالسُخرة لدى هؤلاء النُشطاء من الهواة!!.
كان اندهاشي ناتجا عن تعلقيات تلك النُخبة، على ما كان يُقال في الخارج حول الأحداث. واستشهادهم بما يقوله الرئيس الأمريكي وغيره من الغربيين، حول ما حل على مصر من مأساة وكأنه دليل على أنهم حققوا ما يُمكن اعتباره نصراً يمكن أن يُشبه "أم المعارك"!!
ما أدهشني أكثر كان أن ضمن من استشهدوا بالغرب والغربيين، شيوعيون وناصريون، وكأن الأيديلوجية بالنسبة لهم، يُمكن أن يرمى بها في أقرب سلة مُهملات أو كأنهم يظنون أن الغرب أو "المستعمر الجديد" يريد لمصر الخير!! إنها مأساة تدل على أن الفكر بالنسبة لهؤلاء، ما هو إلا عناوين براقة أو موضة تتماشى مع ألوان الموسم!!
وبالطبع لم يُدققوا في كلمات الأكاديميين الغربيين أيضاً، ممن تكلموا عن كون ما حدث مؤامرة غربية ضد مبارك، لأن أمريكا تريد أن يحكم الإخوان مصر أو أن تُجهَز المنطقة لحرب بين السُنة والشيعة، لتستفيد إسرائيل من إنهاك دولنا، وهو الفكر الذي يروجه الإخوان اليوم بالفعل!!.
بل إن مُحركي تلك المأساة سخروا من مقولة "المؤامرة"، مُعبرين عن أن الإخوان ليسوا هم الوحيدين "الخرفان"، كما يصفونهم!!.
فهناك حقيقة أبدية في تاريخ مصر عبر القرون، مؤداها أن المؤامرات "دائمة" على مصر، بسبب ما تُشكله مصر استراتيجياً على مستوى العالم من قيمة. وإن كان كُره وحقد مُحركي النكسة للرئيس محمد حسني مبارك قد أعماهم، فلقد جنب الرجل مصر الكثير من المؤامرات عبر الثلاثين عاماً التي حكم فيها مصر، ولأنهم لم يكونوا يُتابعون مصر أو لم يقرأوا عنها إلا ما ناسب هواهم، لم يعلموا أن هذا وقع بالفعل!!
فكيف لهم أن يعرفوا تاريخ مصر القريب، إن كانوا لا يعرفون ثوابته؟!
هل علينا أن نُعلمهم لماذا سُميت مصر "بمقبرة الغُزاة"؟ ولماذا هم "غُزاة" وليس غازيا واحدا فقط؟؟!.
هؤلاء أثبتوا أنهم بحاجة إلى دروس في أساس التاريخ المصري الحديث والقديم، لأنهم جهلاء به ويستحقون مُحاكمة بسبب غبائهم حول بلادهم، التي قالوا لنا، بأنهم يريدون تغييرها إلى الأفضل، ولكنهم غيروها للأسوأ على ما يبدو واضحاً!! وبالطبع سيكون بعيداً جداً عن السياق أن يُتهموا "بالغباء السياسي"، لأنهم لا يعلمون أساساً ما تعنيه كلمة أو فعل السياسة!!.
لقد رفضت تلك المهزلة من يومها الأول، وقلت في أحد المؤتمرات الأولى يوم 18 فبراير 2011، "بأنني لست مؤيداً لها وأنني أميل من الآن للأغلبية الصامتة"، فما كان نصيبي إلا السباب من هؤلاء الهواة!!.
والمُصيبة، أن نفس الوجوه التي أودت بنا إلى سفح الهاوية، يطلون علينا من التلفاز حتى هذه اللحظة، لأنهم أدمنوا الشُهرة!!.
لمبارك أخطاء بالطبع، وأحدها أن تلك هي النُخبة التي نشأت في عهده ويمضي وراءها القطيع من العامة الجاهلة!!
لا .. لن تسقط مصر!!
وللحديث بقية..
والله أكبر والعزة لبلادي
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.