إعلام الحرب!
القضية التي أصبحت مقررة سواء على برامج الفضائيات أو على صفحات الصحف القومية، وأحيانًا الحزبية تتعلق بحاجة مصر إلى «إعلام حرب» يواكب الحرب الشرسة التي تخوضها قواتنا المسلحة والشرطة ضد الإرهابيين ويستشهد خلالها العشرات دفاعًا عن أرض الوطن.
وفي هذا الإطار تدعو برامج «التوك شو» العديد من الخبراء للحوار حول القضية من منطلق أن على وسائل الإعلام أن تحجم عن توجيه الانتقادات لمؤسسات الدولة وتتجه للدعاية للمشروعات القومية التي تقام على أرض الوطن.. والإنجازات التي تتحقق في مجالات عديدة.. ما زالت غائبة عن الرأي العام.
ويطالب الخبراء المعارضة أن تصطف خلف القيادة، وتدعم نقاط الاتفاق.. وتتغاضى عن القضايا الخلافية.. حتى يتحقق النصر على الإرهاب.
ويستشهد أصحاب الدعوة إلى إعلام الحرب، بالسياسة الإعلامية في الستينيات من القرن الماضي على أنها نموذج يجب أن يحتذى، ويتجاهل هؤلاء أن الحرب على الإرهاب تستمر سنوات طويلة، وليست مثل الحروب السابقة التي تحدث خلالها المواجهات بين الجيوش، ولها بداية ونهاية، أما الحرب على الإرهاب فلن يستطيع أحد أن يحدد نهايتها، ويصعب أن يحتمل الناس الإعلام الموجه طوال تلك السنوات، خاصة أن هناك فضائيات أخرى عالمية، توفر لهم المعلومات الصحيحة بما يدفعهم إلى عدم الثقة في الإعلام المحلي واللجوء إلى الإعلام البديل الذي يلبي حاجتهم إلى معرفة الحقائق كاملة بعيدًا عن الدعاية.
وغامر في الشك أن الذين يشعرون بالحنين إلى إعلام الستينيات لم يعيشوا تلك المرحلة، فلم تكن هناك سياسة واحدة خلال تلك السنوات قبل هزيمة ٦٧، كان الإعلام موجهًا للدعاية عن إنجازات الدولة والتعامي عن صراعات السلطة بين مراكز القوى على حساب الوطن وجاءت هزيمة يونيو ٦٧ القاسية لتدين السياسات الإعلامية ضمن أخطاء وخطايا عديدة ارتكبت.
وكان لا بد من التصحيح، وتغيرت السياسات واستعاد الإعلام ثقة الشعب.
لذلك فإن الحديث عن «إعلام الحرب» لن يحقق الأهداف التي يسعى الذين يرفعون الشعار من أجل تحقيقها، بل سيزيد فجوة انعدام الثقة بين المواطنين والإعلام ويدفعهم للهروب إلى فضائيات أخرى، بالإضافة إلى الفضائيات المعادية التي لا تتوقف عن الهجوم على مصر.. وتسعى إلى هدم الدولة، ومن أسف أنها تستخدم مصريين من ضعاف النفوس وتشتريهم بالمال كما تستعين بإعلاميين من الداخل في مداخلات لإثبات حرصها على الرأي الآخر.. بينما تستخدمهم «كديكور» يجذب نسب مشاهدة أكبر.
وربما تدارك الدعوات إلى «إعلام الحرب» وفق المفاهيم التي يعرضونها ومنها استبعاد الآراء المعارضة أو العالم أصبح قرية صغيرة.. وأن أي مواطن بمقدوره أن يحصل على المعلومات من خلال «الموبايل»، وأن سمعة مصر في التعامل مع حقوق الإنسان ليست على ما يرام، وفي مقدمة تلك الحقوق الحق في التعبير عن الآراء السياسية.. دون خوف من مطاردة السلطات.