رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. عام على «التعويم» وما زالت ناره تلتهم جيوب المصريين

فيتو

"الرجل ماشي يكلم نفسه"، عبارة جاهزة نخرجها من قاموسنا المصري الذي لا يجف معينه، ونطلقها على أحدهم حين تنهال على رأسه المصائب والمشكلات، وربما الديون، حتى تجعله يسير في طريقه يكلم شخصا يتخيله، لا أحد يراه سواه، يشكي له "مُر" ما يعاني.


أصبحت هذه العبارة تستخدم كثيرًا هذه الأيام، فيما يخص أمر واحد بعد أن كانت متعددة الأغراض والاستخدامات، وهو ما يتعلق بالماديات والظروف المعيشية، الذي جعل المواطن المصري يحدث نفسه، من كثرة ما يقع على عاتقه من مصروفات مدارس ودروس خصوصية، طعام وشراب، كهرباء ومياه وغاز، فضلًا عن المواصلات اليومية.

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، استيقظ المصريون على قرار الحكومة بتحرير سعر الصرف، أو ما يعرف بـ"تعويم الجنيه" مما يجعله أكثر مرونة في التعاملات البنكية مع العملات الأخرى، في مقابل واقع أصبح كالسيف على رقاب المواطن المصري الذي لا تعنيه مثل هذه المصطلحات الاقتصادية "المعلبة"، التي تخرج بها الحكومة تحت بند "التصدي للأزمة الاقتصادية".

استعرضت "فيتو" حكايات من قلب الشارع المصري، طبع التعويم آثاره عليها على مدار 365 يوما، عن طريق استطلاع المصروفات الشهرية لكل رب أسرة، على اختلاف الشريحة التي ينتمي إليها، سواء كان موظفا من الطبقة المتوسطة، أو بائعا في أحد المحال أو في الشارع، وصولا إلى حديث العهد بتكوين أسرة.

 

"قربت أشحت بالعيال"
يتخذ ركنة أسفل كوبري إحدى محطات مترو الأنفاق، ينادي على المارة "الجزمة بـ40 جنيها"، فتقف سيدة تعبث بالبضاعة ثم ترحل، قائلا: "أهو على الحال ده بقالي أسبوع مبيدخلش جيبي إلا 50 جنيها في اليوم، طب أنا بدي زوجتي في اليوم 50 وبالعافية بتعرف تطبخ ومن غير لحمة"، ويشير "أبو ملك" إلى بضاعته المرصودة، ويشرع في حساب المصروفات الشهرية له ولثلاث فتيات في مراحل الروضة والابتدائي؛ فالدروس والمدرسة فقط تصل إلى 1000 جنيه شهريًّا، فضلًا عن "فسحة" كل إجازة التي بدأت تتقلص بعد غلاء الأسعار وقلة الدخل.

يتابع: "بضطر أطلع بالبضاعة وأبيع، بيجيلي كهربا وميه فوق الـ400 جنيه، وإيجار الشقة ومصروف البيت اليومي، يعني بيدخل في 3500 في الشهر مصاريف، ومعنديش شغلانة إلا بيع الجزم"، قضى أبو ملك نصف عمره في بيع الأحذية، لا يعرف مهنة غيرها منذ أن حصل على دبلوم صناعة، ولكن في ظل الأسعار المرتفعة جراء القرار الحكومي يبدو أنه سيكمل عامه الثاني على نفس الحال، مثلما يأتي أبو ملك صباحًا يرحل آخر اليوم، متابعا: "أنا خلاص كلها شهرين وهاخد بناتي وأمهم أشحت بيهم".

أسرة جديدة
حين شرع "كريم" في تكوين أسرة ودخول "عش الزوجية" بقدميه، شاء القدر أن يتم ذلك في "زمن التعويم" وتلك الظروف الاقتصادية التي يمر بها المجتمع، فمن أقساط جمعية الزواج التي لم تسدد بعد، ومصروفات الكهرباء والغاز والمياه، والطعام، وقع كريم في فخ طلبات لا تنتهي، بعد حياة "العزوبية" البائدة، "إيجار الشقة 700 جنيه، والميه والغاز 500، والأكل بيوصل شهريًّا لـ800 جنيه، رغم أنه حسب قوله "لسه معندناش عيال"، هكذا يتحدث "كريم" الذي تزوج منذ نحو أربعة أشهر، عن تأثير ارتفاع الأسعار عليه وعلى بيته الحديث.

ويضيف: "التموين ساعدنا شوية، لولاه كنا عدينا الألفين في الشهر، لما بتطلب زيتا أو سكرا بديها فلوس أو بخليها تاخد من والدتي، كيلو السكر وصل لـ10 جنيهات والزيت 20، علاوة على شراء سمن بـ600 في السنة"، كريم وزوجته يعوّلان على أسرتيهما في بعض الأحيان للتغلب على تلك الظروف مخصصين يومين، يتم استضافتهما عند أهلهما.

5000 في الشهر
 
لم يسلم "وحيد صابر" سائق التاكسي، العائل لأسرة مكونة من ثلاثة أبناء، جميعهم في سن التعليم، وزوجة، من نيران الأسعار، فحين يحسب مصروفات الطعام شهريًّا فقط يجدها وصلت إلى 3000 جنيه، فضلًا عن أسعار الغاز والكهرباء، ويقول: "الغدا لعيلة زي عيلتي أقل حاجة 50 جنيها علشان فرخة صغيرة وخضار، لو غدا محترم يوميًّا 100 جنيه يعني 3000 جنيه، ده غير دروس العيال".

إلى جانب الـ3000 الخاصين بالطعام، يحتاج وحيد إلى 5000 جنيه، مصروفات الكهرباء والغاز ودروس الأولاد والمدرسة، ويصف حاله: "اللي عنده عيال زيي واحدة في أولى إعدادي وواحد في ثانوية عامة، على الأقل 1500 جنيه شهريًّا، قرار زي ده قطم وسطنا ليه مستمرين في تطبيقه!"، فبالتالي إذا كان دخله كسائق تاكسي قد يصل أحيانًا إلى 3000 جنيه، فهذا لن يجعله يكمل حياته على نفس الوتيرة لنهاية الشهر.
الجريدة الرسمية