سنوية «تعويم» الجنيه و«تغريق» الشعب
غدًا.. الذكرى السنوية الأولى لأسوأ قرار في تاريخ مصر الحديث.. "تغريق" شعب مصر في دوامة الغلاء والمعاناة.. و"تعويم" عملة مصر لتصبح أرخص من التراب.. غدا.. نكسة الخميس 3 نوفمبر الأسود، ذلك اليوم الذي باغتت وغافلت فيه الحكومة الشعب المصري بخفض قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة ٧٠٪ ليتربح مكتنزو الدولار والمضاربون به مئات الملايين من الجنيهات في ليلة واحدة، بينما احترق ٩٠٪ من المصريين بلهيب الغلاء غير المسبوق في أسعار كل السلع والخدمات بلا استثناء بعد تضاعفها ٣ مرات.
قبل منتصف تلك الليلة أصيبت محطات البنزين بالشلل التام واختنقت الطرق وتعطلت حركة المرور بعد تدافع أصحاب السيارات عليها طمعا في توفير ٤٠ أو 50 جنيها في "التفويلة" قبل سريان الزيادة الجديدة في البنزين.. بعد التعويم المشئوم، راتب الـ 1200 جنيه الذي وضعته الحكومة كحد أدنى لم يعد يكفي لموظف يذهب إلى عمله بالمواصلات العامة، ويتناول إفطاره على عربة فول في الشارع مع "فحلين" بصل، ويشرب كوب شاى و"حجر شيشة" على مقهى بلدى يوميًا، فما بالنا إذا كان هذا الموظف يعول أسرة مكونة من 3 أبناء وزوجة يحتاجون إلى وجبتى غداء وعشاء ومصاريف مأكل وملبس وعلاج وأدوية وفواتير الكهرباء والمياه والموبايلات ومواصلات ودروس خصوصية وغيرها من الالتزامات التي لا يتسع المجال لحصرها، وصار راتب الـ 7 آلاف هو الحد الأدنى الذي يمكن أن تحيا به الأسرة المصرية حياة لا أقول كريمة، بل تغطي فقط الحد الأدنى من مستلزمات الحياة الضرورية الخالية من بنود الفسح والترفيه وخلافه.
أعرف أصدقاء -بسبب الغلاء الفاحش- أسقطوا كثيرًا من البنود الأساسية في مستلزمات الحياة لكي لا يستدينوا، وعندما كنا في الإمارات وقامت ثورة يناير، قررنا العودة إلى مصر أنا وعدد كبير من أصدقائي اعتقادًا منا أن بلدنا ذاهب إلى الأفضل، وكنا نردد مقولة "بألف جنيه هنعيش في بلدنا مستورين"، وها نحن قد عدنا وبعضنا لا يكفيه راتب عشرة آلاف جنيه لكى يعيش حياة آدمية كريمة، ففاتورة الكهرباء وحدها أصبحت تفوق الألف، وكذلك بنزين العربية، ركنات العربية يوميًا ٥٠٠، العلاج والأدوية وخلافه ٢٠٠٠ جنيه، شاي وقهوة لو كنت من رواد الكافتيريات ألف جنيه، أما التسوق فهو مصيبة أخرى، اضرب في ٥ أضعاف ما كنت تتسوق به قبل ٣ نوفمبر ٢٠١٦.
بالمناسبة أيضًا.. "مهاتير محمد" العبقرى الذي جعل ماليزيا أحد أنجح الاقتصادات في العالم، رفض -أثناء الأزمة المالية في بلاده– وصية صندوق النقد بتعويم الرنجت "عملة ماليزيا"، ورغم ذلك نجح -خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة حكومة بلاده من 1982 إلى 2003- في خفض نسبة المواطنين تحت خط الفقر من ٥٢% إلى ٥%، ورفع متوسط دخل المواطن من ١٢٤٧ دولارًا إلى ٨٨٦٢ دولارًا اى "سبعة أضعاف"، وخفض البطالة إلى ٣%.. لا أملك إلا أن أقول لمن أصدروا هذا القرار المؤلم القاسى غير الموفق وتجنوا على هذا الشعب "ألا تستحون"؟