رئيس التحرير
عصام كامل

قصة رحلة بلفور المشؤومة للقاهرة وتوريطه لأحمد لطفي السيد

 بلفور
بلفور

لا يعرف كثيرون أن بلفور صاحب الوعد المشؤؤم كان معاديا للسامية ولهجرة اليهود إلى شرق أوروبا، خشية انتقالهم إلى بريطانيا التي كان يرى أن الأفضل لها هو أن يدعموها من خارج القارة، لذلك جاهد لإبعادهم عنها عبر توطينهم في دولة بفلسطين.


بلفور، هو أسكتلندي عاش كل حياته عازبا بلا زواج ولا أبناء، وذلك بعد وفاة حبيبته، ولد 25 يوليو 1848 في ويتنجهام التي أصبحت تعرف اليوم باسم لوثيان وتقع في أسكتلندا، وبعد أن أنهى دراسته الأولية التي درس فيها تعاليم العهد القديم، أكمل دراساته العليا في كلية إيتون وجامعة كامبريدج بإنجلترا.


انتخب بلفور لأوّل مرة في البرلمان سنة 1874، وعمل وزيرًا أوّلا لاسكتلندا عام 1887، ثم وزيرًا رئيسًا لشئون إيرلندا من عام 1887 - 1891، ثم أول رئيس للخزانة من عام 1895 - 1902، ورئيسًا لوزراء بريطانيا من عام 1902 - 1905.


أصدر وزير الخارجبة البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر 1917 تصريحا مكتوبا وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد، يتعهد فيه بإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، واشتهر التصريح باسم وعد بلفور.


كانت أول زيارة لبلفور إلى فلسطين عام 1925 حينما شارك في افتتاح الجامعة العبرية، ذهب أولًا إلى الإسكندرية بعد ظهر الإثنين 23 مارس 1925. وكان في استقباله وفدًا من المنظمات الصهيونية في مصر وطلاب المدارس اليهودية ويرأسهم حاخام. ولدى وصول السفينة أسپريا.


الساعة 4 عصرًا، صعد الحاخام إلى السفينة للترحيب به، وبعد استقبال دام ساعتين لم يحضره سوى المنظمات الصهيونية، سافر في عربة قطار مجهزة خصيصًا له إلى القاهرة، وفي القاهرة نزل ضيفًا على اللورد اللنبي وزوجته، وفي القاهرة قامت مظاهرات عارمة منددة بوصوله. وكان أكبرها في حديقة الأزبكية. ويروي محمد على طاهر، صاحب جريدة الشورى، الذي كان بين المتظاهرين، الرواية التالية:


"مدير شرطة الأزبكية أمر ضباطه بسحلي في الشوارع إلى قسم الشرطة بدلًا من نقلي في أحد عربات الشرطة. فجروني إلى القسم في هذا الوضع المهين، والنساء محيطين بي. وقد عاملوا زميلي، أمين افندي عبد اللطيف الحسيني، شقيق مفتي القدس، بنفس الطريقة. وفي قسم الشرطة، رفض مأمور القسم أن يكتب محضرًا ويطلق سراحنا، ولا حتى بدفع كفالة. وبدلًا من ذلك صادر أوراقنا الشخصية وسجائرنا واحتجزنا في زنزانة الحجز حتى اليوم التالي."


وبينما بلفور في طريقه من القاهرة نحو فلسطين، انهالت رسائل وتلغرافات الاحتجاجات على مكاتب الأهرام. كانت إحداها مرسلة باسم الجالية السورية في مصر وتخاطب بلفور: "نحن ندين إعلانك الجائر. ولن نتخلى عن حقوقنا السليبة وسنواصل نضالنا للنهاية على أمل تحقيق طموحاتنا القومية." وكان التلغراف موقعًا من أكثر من 20 شخصًا، بينهم شكري القوتلي، الذي سيصبح لاحقًا رئيس جمهورية سوريا. وتلغراف آخر أرسلته الجالية الأردنية في مصر، مذكرة بلفور بأنه في طريقه إلى "البلد الذي دمر وعده المستهجن حريته"، مضيفًا أن وصول بلفور "سيزيد من تمسك الفلسطينيين ببلدهم".


إلا أنه لم تكن الاحتجاجات لتثني بلفور عن طريقه، وقد أوفد الأهرام مراسلًا آخر إلى القدس لتغطية تحركات اللورد البريطاني من وقت وصول قطاره إلى المدينة المقدسة، وكانت أولى زيارات بلفور الرسمية هي للمستوطنة الصهيونية "قارا Qara"، حيث اُستقبل بحفاوة."وبعد غداء هناك، ذهب بلفور وحاشيته إلى تل أبيب، ولدى وصوله، وجد "كل البيوت والمعاهد مزينة بالأعلام البريطانية والصهيونية، وحشود من الناس -- رجالًا ونساءً وطلابًا -- هرعوا لتحيته حاملين لافتات عليها صورته على أعناقهم.


وبعد ذلك بفترة وجيزة، أوردت الأهرام أن الحكومة المصرية تنوي إرسال أحمد لطفي السيد، مدير الجامعة المصرية، إلى فلسطين لحضور حفل افتتاح الجامعة العبرية، وفوجئ العديد بالرغم من صيحات الفلسطينيين في مصر، أن لطفي السيد وافق على الذهاب، وفي رسالة إلى الأهرام، احتج الشباب العربي بفلسطين على قبول أحمد لطفي السيد للدعوة لكونها طعنة في ظهر فلسطين العربية وناشدوا الحكومة المصرية أن تغير قرارها،وبشكل مماثل، أعرب الطلاب الفلسطينيون في جامعة الأزهر عن حزنهم لقرار الجامعة إرسال وفد إلى الافتتاح لأنه "سوف يمكن الصهاينة من استخدام اسم مصر لصالحهم." ومرة أخرى، سقطت الاحتجاجات الفلسطينية على آذان صماء، إذ ذهب مدير الجامعة المصرية إلى فلسطين لحضور افتتاح الجامعة العبرية في القدس، وهو الفعل الذي أبدى ندمه عليه لاحقًا.
الجريدة الرسمية