رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلام وضرورة تحرير المصطلحات!


منذ أحداث يناير 2011.. انفجرت ماسورة مصطلحات- لم نعرفها من قبل- بلا رابط ولا ضابط، ولصق الكثيرون بأسمائهم ألقابا وصفاتا وتخصصات لا علاقة لهم بها غير تلك الموضة التي انتشرت كما تنتشر النار في الهشيم، فكان الناشط السياسي والحقوقي والثوري والمؤسس (لأي حاجة)، وكان الخبير بالحركات الإسلامية والجهادية والبهلوانية، وكان شباب الثورة، وائتلاف الثورة، وأمناء الثورة، وكانت أحزاب الثورة بكل أسمائها التي بقيت مجرد أسماء نرددها ونلوكها بألسنتنا كل مناسبة بلا فائدة أو معني!


كل هذه المصطلحات تداولها الإعلام منذ 2011 وإلي الآن، وصارت أهم كلمات في قاموسه، وأصبح من السهل إطلاق أي مصطلح منهم على أي شخص أو كيان حتى لقب الدكتور صار أرخص من أي لقب آخر، وأهون على من يُلقب به وهو لا يستحقه لدرجة أنه لا يُراجع من يصفه به أو يقول له (أنا مش دكتور) احتراما لنفسه ولمتابعيه!

المفاهيم المغلوطة أصبحت هي القاعدة، والمفاهيم الصحيحة هي الاستثناء، وما زال الجميع يقع في فخ المفاهيم المغلوطة والمصطلحات غير الدقيقة، والحقيقة أن الجميع سقط فيها سواء بوعي.. أو بلا وعي.. أو بسوء نية وقصد، والحقيقة المزعجة أن من عليهم عبء التفسير والتوضيح ينتهجون نفس النهج، وربما يتناقضون وهم يكتبون في بعض القضايا التي تتناول هذه المفاهيم والمصطلحات كأدوات للتعبير عن الرأي.

في عملية طريق الواحات التي سقط فيها 16 شهيدا من خيرة رجالنا من الشرطة، والتي ما زال البعض يتناولها في مقالاته شرحا وتحليلا.. معظمهم يكتبون عناوين مقالاتهم في كلمات مغلوطة مثل (شهداء الواحات.. حادث الواحات.. رسائل جريمة الواحات.. حادث الواحات الإرهابي.. دروس من الواحات.. وغير ذلك من العناوين الكثير) وكل هذه العناوين لا تخلو من كلمة الواحات.. والواحات هي مدينة ومقصد سياحي هام وارتباط هذه العملية الخسيسة التي سقط فيها شهداء من الشرطة في معركة مع الإرهابيين بمدينة الواحات يعطي انطباعا للخارج ولكل من لا يعرف حدود مدينة الواحات أن هذه البلدة هي بؤرة مسكونة بالإرهاب، وهذا غير صحيح لأن العملية أو المعركة كانت على الطريق المؤدي إلى الواحات بمسافة كبيرة في منطقة صحراوية بين الجبال وغير مأهولة بالسكان!

العجيب أن الإعلام نقل كل ما تناولته وكالات أنباء أجنبية ولم يتحر الدقة أو يجتهد في البحث عن المكان الحقيقي للمعركة أو الحادث، والأعجب من ذلك عندما كان إعلامنا يردد الخبر الذي يقول أن الحادث يقع غرب القاهرة فيطير الخبر إلى كل الدنيا والقاهرة (عاصمة الحكم) في متن الخبر.. فتكون الرسالة.. القاهرة غير آمنة، والواحات غير آمنة.. وطبيعي لنا أن ندرك تأثير ذلك على الوضع الاقتصادي والسياحي والأمني بشكل عام.

لم ينتبه إعلامنا إلى مفهوم الاختزال الذي يجيده عدونا في الداخل والخارج، عندما يتحدث عن الإرهاب فيصف عملية إرهابية في رفح أو الشيخ زويد أو في العريش بأنها إرهاب في سيناء فتصل الرسالة متضمنة شرم الشيخ المقصد السياحي الأهم عالميا وباقي مدن ومنتجعات سيناء الآمنة !

للأسف نردد جميعا كالببغاء مصطلحات ومفاهيم لو توقفنا أمامها قليلا لأدركنا أننا نساهم في التضليل والتدليس بشكل كبير، وللأسف أيضا قرأت لوزير ثقافة مصر مقالا بعنوان (شهداء الواحات) تحدث فيه عن التضارب الذي وقع في عدد الشهداء والتسرع في إعلان أرقام غير صحيحة ومن مصادر غير موثوقة، وتحدث عن شبكات رصينة ومشهود لها وقعت في فخ السبق على حساب المهنية، وقارن بينها وبين تغطية أحداث إرهابية وقعت بالخارج وكيف غطتها شبكات أجنبية بكل مهنية ودقة في المعلومات، وهو في ذات المقال لم يتحر الدقة في مكان العملية ويصف شهداء الحادث بشهداء الواحات وهو يعلم مدلول هذا المكان جغرافيا وسياحيا! كيف لوزير الثقافة أن يسقط في فخ المفاهيم المغلوطة، وكيف لغيره من المثقفين أن ينساقوا وراء الشائع من المصطلحات دون أن يحرروها من معان خاطئة فتصبح راسخة في الأذهان وثابتة على محركات البحث وتتحول إلى أدلة ثبوت على تراجع حالة الأمن في البلاد ؟

نحن في حاجة إلى تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة وتحرير المصطلحات التي تحولت إلى تابوهات، وهذه مسئولية الإعلام والصحافة والمثقفين وأصحاب الكلمة والرأي الفاهمين حتى لا نصبح معاول هدم، وأداة تضليل دون أن ندري!
الجريدة الرسمية