«طه حسين» في مواجهة التطرف
مرت هذا الأسبوع الذكرى الـ44 لوفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، هذا الأديب الكبير الذي جمع بين التعليم الأزهري والدراسة في الغرب، ورغم كف بصره فإنه كان صاحب بصيرة، كما كان سباقًا في مواجهة الفكر المتطرف، الذي يدعي زورًا وبهتانًا أن مرجعيته هي الإسلام.
واللافت أن طه حسين تصدى لذلك حتى قبل أن تظهر الجماعات الإسلامية المتطرفة إلى النور، حيث قال في كتابه "من بعيد" الذي كتبه في عشرينيات القرن الماضى ردًا على فهم النص الدستوري "الإسلام دين الدولة" بشكل خاطئ: إن "الشيوخ فهموا هذا النص فهمًا آخر أو قل إنهم فهموه كما فهمه غيرهم ولكنهم تكلفوا أن يُظهروا أنهم يفهمونه فهمًا آخر واتخذوه تكأة وتعلة يعتمدون عليها في تحقيق ضروب من المطامع والأغراض السياسية وغير السياسية، فهموا أن الإسلام دين الدولة، أي أن الدولة يجب أن تكون دولة إسلامية بالمعنى القديم حقًا، أي أن الدولة يجب أن تتكلف واجبات ما كانت لتتكلفها من قبل..
فكتبوا يطلبون ألا يصدر الدستور، لأن المسلمين ليسوا في حاجة إلى دستور وضعى ومعهم كتاب الله وسنة رسوله، وذهب بعضهم إلى أن طلب إلى لجنة الدستور أن تنص أن المسلم لا يكلَّف القيام بالواجبات الوطنية، إذا كانت هذه الواجبات معارضة للإسلام، وفسروا ذلك بأن المسلم يجب أن يكون في حل من رفض الخدمة العسكرية، حين يكلَّف الوقوف في وجه أمة مسلمة كالأمة التركية مثلًا!".
ولا شك أن ما قاله عميد الأدب العربي هو ما تذرعت به عديد من الجماعات في مواجهة الدولة، والخروج عليها، وفى استقطاب الكثير من أتباعها، بل لا تزال الإشكاليات التي فككها طه حسين إلى اليوم ماثلة أمامنا جميعًا، والدليل تلك العمليات الإرهابية التي تستهدف ضباط الجيش والشرطة والمدنيين، تحت نفس المزاعم التي فندها "العميد البصير" وكأنه كان يرى ببصيرته أن الجماعات الإسلامية ستبدأ في الظهور فعليًا، وهو ما تحقق في نهاية العشرينيات من القرن الماضي بتأسيس جماعة الإخوان.
صحيح أن كبار علماء الأزهر تصدوا لبعض أطروحات طه حسين، وصحيح أنه تراجع عن بعض ما كتبه ربما على وقع إدراكه أنه أخطأ، أو تحت ضغط الهجوم عليه، غير أن ما كتبه عميد الأدب العربي عن إشكالية التطرف ومواجهة المتطرفين للدولة، يبقى من وجهة نظرى أحد أهم الموروثات الفكرية التي تركها لنا.. رحم الله طه حسين في ذكراه الـ44 وعاشت مصر وطنًا للوسطية والاعتدال وبلدًا للأزهر والفكر المستنير.