رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ الصوفي «عبدالله الدمرداش»


شغلني طويلا الشيخ عبدالله الدمرداش، مؤسس المستشفى الشهير بالقاهرة.. فكرت كيف يحرص الصوفي على خدمة المجتمع المحيط، ويتفنن في غرس الخير، وأداء المعروف؛ ذلك أنه يعتبر الدنيا مزرعة للآخرة.. إلا أن المعلومات عن الرجل لم تكن تروي ظمأي، إلى أن قرأت مؤخرًا المعلومات التالية عن الشيخ الدمرداش، وعرفت منها الكثير عنه، وإليكم ما قرأت..


ولد عبدالله الدمرداش بالقاهرة في عام 1849م، ونشأ بها وتلقى مبادئ العلم في أحد الكتاتيب، ثم التحق بالأزهر الشريف، وأخذ عن الشيخ عبد الرحمن الرافعي الحنفي والشيخ عبد المعطي الخليلي (الطريقة الخلوتية تنتشر في مدينة الخليل في فلسطين).

أخذ التصوف عن والده الذي كان شيخ الطريقة الدمرداشية في مصر.. وصاحَبَ كثيرا من العلماء وجالسهم وانتفع بعلمهم كثيرا، ومنهم الإمام الشيخ محمد عبده، والشيخ عبد الرحمن سلمان، والشيخ مصطفى المراغي، شيخ الأزهر الشريف، وقد أولع بمطالعة الكتب، وخاصة الكتب التاريخية والجغرافية، حتى أصبح واسع المادة في تاريخ الأمم ومواقع البلدان.

لما تُوُفِّيَ والده الشيخ مصطفى عُيِّن في مكانه شيخا للسادة الدمرداشية، وكان عمره 24 عامًا فقط، فنهض بالطريقة الدمرداشية نهضة لم ينهض بها شيخٌ من قبله بمثلها، حتى دخل في مسلكها كثير من العلماء والوزراء والأعيان وكبار الموظفين.

وقام بتجديد زاوية الطريقة، وجعلها مسجدا كبيرا، وزاد في عدد الخلوات المعدة لاختلاء الدمرداشيين، وكان شيخُنا كثيرَ الأصحابِ والخلان، حلوَ الحديث والهندام، يميل إلى الفكاهة والعمل، ولا يعتمد إلا على نفسه في جميع أعماله، وقد نجح في تنمية ثروته إلى الحد الذي رفع به من شأن بيته الكريم في الناحية الاقتصادية حتى إنه اعتبر من أوائل متمولي زمانه (أصحاب رءوس الأموال)، وكبار اقتصادييه.

كان يقرأ ورده في فجر كل يوم، وكان مواظبا على إحياء الحضرات (أي حلقات الذكر الصوفية) مرة كل أسبوع، وعلى إقامة المولد في كل عام، وكانت مدة مشيخته للطريقة 54 سنة.

من أعماله الخيرية أنه أنشأ مستشفى الدمرداش، المعروف باسمه في وجهة العباسية، وأباحه لجميع بني الإنسان من جميع الأديان، وقد أنشئت فيها حديثا كلية طب العباسية "كلية طب عين شمس".

أقيم مستشفى الدمرداش بتبرع منه بمبلغ 25 ألف جنيه، بالإضافة إلى تبرع ابنته قوت القلوب الدمرداشية بـ50 ألف جنيه، وزوجته بـ25 ألفًا، كما تبرع أيضًا بالأرض التي بني عليها المستشفى، وتبلغ مساحتها 15 ألف متر مربع بشارع الملكة نازلي، "شارع رمسيس".

بُنِيَ المستشفى الخيري أمام جامع الدمرداش، ونَذَرَ له الشيخ عبد الرحيم مبلغ 60 ألف جنيه للإنفاق عليه، وعلى الحكومة تسديد النفقات الناقصة، وفي عام 1947 أنشئت كلية للطب بداخله، لتكون ثالث كلية طب في مصر، وانضم لجامعة عين شمس بعد افتتاحه عام 1950.

واشترط الشيخ عبد الرحيم الدمرداش على الحكومة عند بناء المستشفى إقامة مكان مخصص للصلاة، وأن تُبنى حجرة لدفنه داخلها، ونفذت الدولة تلك الوصية للرجل الذي ينتمي إلى الدمرداش، حيث كان يعمل بالحركة الوطنية المصرية، بالإضافة إلى كونه عضوًا بمجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، وعندما تُوفِّى والده أصبح شيخ الطريقة الدمرداشية في مصر، وكان يحيي حلقات الذكر الصوفي مرة كل أسبوع، واستمر في المشيخة 54 عامًا حتى وفاته.

كان من المشتغلين بالحركة الوطنية المصرية، وكان عضوًا في مجلس شورى القوانين المصري والجمعية العمومية المصرية، وهو والد الأديبة المشهورة قوت القلوب هانم الدمرداشية.
الجريدة الرسمية