تجارة الأعضاء.. مافيا «فوق القانون».. تغليظ العقوبة لا يكفي.. غياب الضمير الطبي أبرز التحديات.. أستاذ كلى: قلة الأماكن المرخصة وعدم انتظام المراكز الجامعية لاستيعاب المرضى سبب انتشارها
رغم تغليظ العقوبات بالسجن المشدد والإعدام والغرامة المالية من 500 ألف إلى مليون جنيه وفقا للتعديلات الأخيرة على قانون تنظيم زراعة الأعضاء فإن عصابات الاتجار بالأعضاء زادت في الآونة الأخيرة ولم يكن تغليظ العقوبات رادعا لهم.
وعلى الرغم من أن مصر معرضة لكي تكون ضمن قوائم الدول الرائدة في التجارة غير الشرعية للأعضاء، فإنها لم تستطع التحكم في تلك التجارة والقضاء عليها.
التحديات
ومصر تواجه عددا من التحديات للقضاء على تلك التجارة، بدءا من الفقر الشديد والأزمات الاقتصادية، ومروا بضغوط المرضى على الأطباء وإغرائهم بالمال، إضافة لقلة المراكز المرخصة لعمليات الزرع في مصر، وعدم تفعيل عمل اللجان الخمسة لأمانة اللجنة العليا لزراعة الأعضاء، وكذا الاعتماد على إدارة العلاج الحر في التفتيش والرقابة فقط وضعف إمكاناتها، وعدم تفعيل نقل الأعضاء من المتوفين حديثا، إضافة لعدم تطبيق القانون على الجميع.
تغليظ العقوبة
من جهته قال الدكتور عبد الحميد أباظة، مساعد وزير الصحة الأسبق: تغليظ العقوبات في القانون لا قيمة له ولن يفيد في القضاء على تجارة الأعضاء، وبالرجوع لملفات النيابة العامة والقضاء في الفترة منذ تطبيق قانون تنظيم زرع الأعضاء في 2010 وحتى 2014 لم يوجد تشكيل عصابي واحد في أي مستشفى سوى قضيتين في 4 سنوات إحداهما قبل تطبيق القانون، بينما الفترة الحالية كل شهرين يتم القبض على عصابة للاتجار بالأعضاء، والسبب الرئيسي في الرقابة وتفعيل القانون، وعدم تفعيل عمل الأمانة الفنية للجنة العليا لزراعة الأعضاء والتنسيق مع إدارة العلاج الحر التي كانت تعد تقارير عن المستشفيات والمراكز وتحقق في الشكاوى الواردة إليها وتغلق المستشفيات أولا بأول.
وأضاف: حاليا اختفاء الرقابة على تلك المستشفيات وإسناد الأمر فقط إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة المسئولة عن كل ما هو منشأة طبية خاصة وزراعة الأعضاء جزء صغير في مجال الطب، ولن تقوى عليه خاصة في ظل ضعف القوى البشرية بها، ومن جانبي لا ألقي باللوم عليها لأنها لا تستطيع بمفردها، لأنه يجب أن يتكامل دورها مع أمانة اللجنة العليا لزراعة الأعضاء والجهات الأمنية.
وأكد أن المسألة ليست فقط تغليظ عقوبة، ولكن غلق المنشآت الطبية التي تجري بها تلك العمليات، بخلاف إعلانات الصحف المنتشرة في أكبر الصحف لشراء فص كبد أو كلى، موضحًا أنه طالما ظلت تلك الإعلانات استمرت عمليات البيع والتجارة بالأعضاء رغم أن الإعلانات جرمها القانون ويجب أن تحال الجريدة التي تنشرها للنائب العام.
منظومة معقدة
مساعد وزير الصحة الأسبق، في سياق حديثه، أشار إلى أن منظومة القضاء على تجارة الأعضاء معقدة ومتشابكة بها أطراف متعددة والعقوبات لن تقضي عليها بدليل سن عقوبة الإعدام لتجارة المخدرات والسلاح ولم تتوقف حتى الآن، فضلا عن أن عقوبة الإعدام طالبت بها اللجنة التي وضعت قانون تنظيم زرع الأعضاء في 2010 إلا أن مجلس النواب وعلى رأسهم فتحي سرور حينها رفضوا تغليظ العقوبة ورأى حينها المجلس أن الإعدام عقوبة عنيفة.
ولفت إلى أن الضمير الطبي وأخلاقيات المهنة أهم تحديات تجارة الأعضاء، خاصة أن من يجري العمليات الزرع هم أطباء الدافع الرئيسي لهم هو المال وغياب الضمير لديهم، ووفقا للقانون إذا اشتبه الطبيب أن جراحة الزرع بها شبهة بيع وشراء عليه أن يتوقف عن إجراء الجراحة فورا وإبلاغ النيابة وجهات التحقيق والطبيب يمكنه تحديد ذلك فمثلا متبرع من منطقة شعبية لمريض أجنبي، فالطبيب متأكد أنها عملية اتجار ووفقا للقانون لا يمكن إجراء الزرع من مصري لأجنبي، ولكن يجب أن يكون المتبرع والمريض من نفس الجنسية وبموافقة السفارة التابعين لها.
لجان فنية
وشدد على أن أهم التحديات تتمثل في عودة اللجان الفنية الخمسة لزرع الأعضاء، التي تضم لجنة المتابعة ولجنة الأخلاقيات ولجنة التدريب والتعليم الطبي المستمر ولجنة للمرور على المستشفيات والوحدات الصحية ولجنة للإعلام وكانت لجنة المرور على المستشفيات بالتعاون مع العلاج الحر التي لها حق الضبطية القضائية تفتش على أي مكان يتم الشكوى منه ولكنها لجان تعمل بالفعل لم يأت أعضاؤها بالمجاملات والأصدقاء.
من جهته قال الدكتور أحمد شقير، أستاذ الكلي بجامعة المنصورة: عمليات التجارة بالأعضاء ستظل مستمرة طالما الممنوع مرغوب، وفي ظل الأزمات الاقتصادية يهرب الجميع للأبواب الخلفية ويبحث الأطباء عن مصادر لجمع الأموال الطائلة، فضلا عن ضغط المريض وأهله على الطبيب وإغرائه بالمال فيضعف أمامهم في ظل الحاجة لإجراء تلك العمليات، ونقص الأماكن المرخص لها وعدم تفعيل قانون نقل الأعضاء من المتوفين حديثا ستظل المشكلة قائمة، والحل يكمن في زيادة الأماكن المرخص لها وزيادة الطاقة الاستيعابية لها وزيادة أعداد العمليات بها.
وتابع: طالما يوجد ضغط من المرضى، ونقص في الخدمة يزيد عليها طلب، ويجب السماح بإجراء عمليات الزرع في كل المستشفيات الجامعية لاستيعاب الأعداد، والمكان الوحيد المنتظم بجامعة المنصورة وبقية الأقسام تعمل فترة ثم تتوقف منها جامعات الزقازيق والإسكندرية، فضلا عن أن عمليات الزرع تحتاج لفريق طبي كبير من أطباء تخدير وآشعة وجراحة ومناعة والمعامل والعناية المركزة ولا يتوفر ذلك إلا في الأماكن الكبيرة بمواصفات خاصة، ولو تم تشجيع المستشفيات الجامعية على مستوى مصر تستوعب أعداد المرضى، إلا أن الميزانيات الضعيفة تعوق تنفيذ ذلك في ظل عدم وجود الأدوية والمستلزمات الطبية ومثبطات المناعة التي يحتاج إليها مريض زرع الكلي مدى الحياة جميعها مستوردة وأسعارها مرتفعة يصل سعر الحقنة يحتاجها بعض المرضى لــ5 آلاف دولار ولا يتم طرد الكلية من الجسم وغير متوفرة.
وأوضح أنه من ضمن الحلول تنسيق إجراء عمليات نقل الأعضاء من موتى جذع المخ وهي تحتاج لحملة إعلامية ضخمة، مشيرا إلى أن المراكز المرخصة والتي لم يتجاوز عددها 40 مركزا عدد العمليات بها قليل، ويتم إجراء ما يقرب من 500 حالة زرع كلى سنويا، إلا أنه ما بين كل مليون مواطن يوجد 500 مريض يحتاج لإجراء زرع كلى سنويا.
وأشار إلى أن عمليات زرع الكلي أوفر من جلسات الغسيل الكلوي للدولة، بدلا من الأموال التي تخصص لهم والتي تقترب من مليار جنيه على جلسات لغسيل فقط، ومركز المنصورة لزرع الكلى يجري العمليات مجانا وتصرف الدولة لكل مريض 5 آلاف جنيه فقط ولا يتناسب المبلغ مع تكاليف الجراحة حاليا.
شبكات تجسس
وأكد أستاذ أمراض الكلي أن عمليات التجارة بالأعضاء عبارة عن شبكات تجسس يتم تجنيد المتبرع الآخرين من العاطلين عن العمل بالمقاهي بالمناطق الشعبية، وكل متبرع يحكي قصته ويغري غيره بالأموال التي حصل عليها وهكذا.
أستاذ زراعة كبد –رفض الإفصاح عن اسمه– قال: عمليات التجارة تزيد في الكلى أكثر من الكبد خاصة أن زرع الكلى لا يحتاج من الوقت سوى ساعتين ويوجد كليتان بالجسم بينما الكبد يحتاج لــ18 ساعة ويتم زرع فص من الكبد لدى الإنسان.
وأوضح أنه "في حالة شطب الطبيب الذي يتم القبض عليه بتهمة الاتجار بالأعضاء من النقابة ويعاقب بالحرمان من ممارسة المهنة نهائيا سيتم القضاء على الاتجار بالأعضاء، إلا أنه لن يحدث ذلك مع وجود قانون مطاط به ثغرات يخرج منها الطبيب ولا ينفذ القانون بآليات سريعة ويوقع عقوبات مباشرة، فضلا عن وجود دور للدولة بتشجيع التبرع للأقارب ومنح المتبرع من الأسرة مميزات سواء توفير وظيفة أو دراسة له حينها يقبل الأقارب على التبرع بأعضائهم لذويهم حتى لو من الدرجة الرابعة طالما سيستفيد ونقلل من عمليات البيع والتجارة، مشيرا إلى أن أغلب معامل التحاليل لديها قوائم انتظار بالمرضى الذين بحاجة لعمليات زرع وقوائم المتبرعين وهي من توافق الأنسجة والتحاليل بين العينات".
وقال: وفقا للمستشفيات المرخصة لإجراء زرع الكبد يوجد 17 مركزا منها 9 في القاهرة فقط و4 مراكز تخدم الدلتا والصعيد لذا يوجد سوء توزيع في مراكز الزرع، مشيرا إلى أنه يتم إجراء 125 عملية زرع كبد سنويا وهو رقم قليل مقارنة بالأعداد الفعلية التي تحتاج للزرع لعدم وجود متبرعين.
الفقر السبب
بدوره قال الدكتور هشام شيحة، رئيس قطاع الطب العلاجي سابقا: الفقر الشديد في مصر أحد العوامل الرئيسية وراء الاتجار بالأعضاء وبيع الكبد والكلى، لذا تعديل القانون لتغليظ العقوبات لن يجدي نفعًا خاصة في ظل وجود كبري المستشفيات الخاصة التي يمتلكها أساتذة جامعات وكبار الأطباء من أصحاب النفوذ تجري بها عمليات الزرع المخالفة دون رادع لهم، فضلا عن أن كل العمليات المخالفة التي تجري في عيادات ومراكز طبية غير مرخصة يشترك فيها أطباء يعملون بمستشفيات حكومية وأساتذة جامعات، وأغلبها يجري في مراكز خاصة ومن المستحيل أن تجري في مكان حكومي.
وأضاف أن السعودية مطبق بها نقل الأعضاء من المتوفين حديثا، فضلا عن وجود بنوك للأعضاء في دول أوروبا أسهمت في عدم وجود تجارة بالأعضاء.
وأكد وجود تراخٍ وعدم تنفيذ العقوبات، فضلا عن طول فترات عمليات التقاضي في القضاء وفي حالة القبض على طبيب أو غلق مستشفى له علاقات ونفوذ ومدعوم تهرب من العقوبة ويتم غلقه فترة ويعود ليعمل من جديد.