الشرق الأوسط الجديد كما أراده «شيمون بيريز»
بالنسبة للشرق الأوسط، فإن الانتقال من اقتصاد صراع إلى اقتصاد سلام سوف يعني حصر المصادر لتطوير بنية تحتية تلائم هذا العصر الجديد من السلام، وأن بناء الطرق وتمديد خطوط السكك الحديدية وتحديد المسارات الجوية وربط شبكات النقل وتحديث وسائل الاتصالات وتوفير النفط والماء في كل مكان وإنتاج البضائع والخدمات عن طريق الكمبيوتر، سوف يفتح حياة جديدة في الشرق الأوسط، هذه كلمات من كتاب شيمون بيريز عام 1993 "الشرق الأوسط الجديد".
وإذا ما دققنا النظر في سطور هذا الكتاب سنجد أن ما ذكره السياسي الإسرائيلي المخضرم وضع تصورا دقيقا لما يدور في الشرق الأوسط في وقتنا الحالي، فإعلان ولي العهد السعودي هذا الأسبوع عن إقامة مدينة نيوم التي ستقع في الشمال الغربي للمملكة وستضم أراضي مصرية وأراضي أردنية على مساحة 26 ألف كيلو متر مربع، يخدم فقط مشروع شيمون بيريز للشرق الأوسط الجديد، وكل أحلامه الواردة في كتابه "الشرق الأوسط الجديد".
ففي البداية ومن إعلان أهداف المشروع المنتظر نجد أن مدينة نيوم ستعمل على مستقبل الطاقة والمياه، مستقبل التقنيات الحيوية، مستقبل الغذاء، مستقبل العلوم التقنية ومستقبل الترفيه وهذه القطاعات كلها ذكرها شيمون بيريز في الفصل الثامن حتى الفصل الحادي عشر من كتابه.
سيكون المشروع منطقة خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى على الأعمال التجارية، وهذا أيضا يذكره بيريز في الصفحة 154 من كتابه.
"جميع بلدان المنطقة سوف تمنح حرية الدخول إلى الموانئ الرئيسية على البحر الأحمر والمتوسط، وستضم المنطقة الحرة صناعة خفيفة ومراكز تجارية وخدمات ترفيهية وإدارية وتسويقية، وستكون هذه المناطق في المرحلة الأولى تحت سلطة البلدان التي تقع فيها، لكنها في النهاية ستصبح خاضعة للإدارة المركزية الخاصة بالمجتمع الإقليمي وستتمتع بوضع إقليمي"..
وطبقا لذلك من المنتظر أن نرى العلم الإسرائيلي مرفوعا عاليا على كل من تيران وصنافير المصريتين في وقت لاحق، نظرا لوجودهما ضمن نطاق مشروع الأمير محمد بن سلمان.
وأخطر ما في مشروع الأمير محمد بن سلمان هو المصالح الإسرائيلية العظيمة جدا المرتبطة به، فلو نظرنا إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به المملكة السعودية من جراء انخفاض أسعار النفط في أواخر 2014 حتى الآن، وبيع الحكومة السعودية في سبتمبر الماضي لسندات حكومية بـ12 مليار دولار لسد عجز الميزانية، يجعل من تنفيذ هذا المشروع صعبا جدا دون دعم الشركات العالمية، لذلك نجد شركات أمازون، علي بابا وإيرباص وغيرها قد بدأوا مفاوضات مع الأمير سلمان لتنفيذ هذا المشروع، ولا ننسى أن المدير التنفيذي لمشروع نيوم هو رجل أعمال ألماني شغل قبل ذلك منصب رئيس شركة سيمينز وسيتي جروب.
والمصالح الإسرائيلية بشكل مباشر تتصل بكسر احتكار قناة السويس لنقل البضائع من آسيا إلى أوروبا، ومشروع نيوم يضمن بشكل كامل إقامة كيان موازي لقناة السويس على خليج العقبة، لأن مشروع نيوم سيعيد إحياء المشاريع الإسرائيلية في هذا الصدد، لأنه سيزيد من اهتمام المستثمرين الدوليين في مشاريع السكك الحديدية "إيلات- أشدود" والسكك الحديدية التي تخرج من الرياض والكويت لكي تصل لميناء حيفا الإسرائيلي، وهذه الخطوط موجودة بنسبة 90% لأنه المشروع موجود أيام الدولة العثمانية، واستكماله لن يحتاج الكثير من الجهود، ولا ننسى أن في عام 2015 فازت مجموعة شنغهاي للموانئ بمناقصة دولية لتطوير ميناء حيفا لينتهي العمل به في عام 2021 لكي يكون جاهزا لمد خطوط السكك الحديدية من الكويت والرياض، وجدير بالذكر أن عملية إحياء خطوط السكك الحديدية ذكرها شيمون بيريز في الصفحة 152 من كتابه.
مشروع نيوم ومشاريع الجزر في كل من السعودية، الكويت، البحرين والإمارات وعملية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير عبارة عن صور صغيرة كثيرة تُكَون الصورة الكبيرة للشرق الأوسط الجديد كما تمناه شيمون بيريز.
لكن إذا كانت هذه المشاريع ستكون في مصلحة الشعوب العربية فأهلا بها، أما إذا كانت هذه المشاريع والأفعال في مصلحة إسرائيل فقط فلا أهلا بها، ويجب علينا الوقوف ضدها.