رئيس التحرير
عصام كامل

«الطلاق».. من جرح غائر لطاقة أمل «تقرير مصور»

فيتو

في لحظة أصبح العالم مظلمًا من حولها، الحياة توقفت أو هكذا كانت تشعر حينها، وحيدة، خاوية، كأنها جسد مفرغ مضطر أن يعيش، أما روحها فكانت تأبى إلا أن تذبل وتبعد عن كل معالم الحياة التي كانت تعرفها قبل هذا اليوم الفاصل الذي تهادت فيه على أسماعها كلمة "إنتي طالق".


لم تكن تدري حينما اتخذت بكامل قواها العقلية قرار الزواج أنها بعد سنوات ستواجه مصيرًا يبعد تمام البعد عن ذلك الحلم الوردي الذي حلمت به يومًا، وأنها ستحمل اللقب الذي هز كيانها وغير حياتها وكشف عن وجه آخر للمجتمع من حولها، لقب "المطلقة"، لكن حتمًا وسط كل ظلمة يوجد بصيص نور، ومن رحم المعاناة تولد الحياة والأمل.

أنا أمل.. عمري يقترب الآن من عقد الأربعينيات.. اسمي يحمل طاقة تفاؤلية لم أحملها قط طوال حياتي التي أفضل أن أقسمها إلى جزئين، والثورة هي معياري في هذا التصنيف، فحياتي قبل 25 يناير غيرها بعد هذا التاريخ، فمع شرارة الثورة اندمجت، وفي أحداثها انخرطت، وثرت معها ثورتي الخاصة بعدما أصبحت لا أحتمل الهوة التي طالما أوجدها عدم التفاهم بيني وبين زوجي، فقررت أن أنهى 13 عاما من الزواج التقليدي نتج عنه ابنتين هما كل حياتي.


 "أمل.. حينما يشتد الظلام واليأس لا بد من وجود أمل للخروج" 

كنت أعتقد أن قرار الطلاق هين في مجتمع مثل هذا الذي نعيش فيه، وأن الجميع سيحترم قراري باحترام نفسي بإنهاء علاقة مرهقة لي ولأبنائي، لكن أحلامي ذهبت سُدى، فالحياة بعده تحولت تحولًا جذريًا، وكذلك نظرات أهلي والمجتمع.

دهستني الحياة دهسًا بين معارض لهذا القرار ومؤيد له، بين مساند لي- وهم قلائل- وبين من تخلى عني وهم الأكثر، فأصبحت بعده وحيدة أتنقل من بيت لآخر، ومن عمل لغيره، ووصمة الطلاق تطاردني.

من يصفني بأبشع الصفات، ومن يحاول ابتزازي في عملي لأنني مطلقة، سهلة وضعيفة كما يصور له خياله، وفي الأخير أصبحت أخفي حقيقة طلاقي في عملي ومكان سكني الجديد الذي تخيرته بعد عناء بحث في منطقة حدائق الأهرام، حيث لا يتدخل أحد في حياة الآخر، أتحدى نفسي لكي أجلب ما لا يكفل لي حياة كريمة أنا وبناتي بعدما تخلى عني الجميع، حتى أهلي، إلا أنني ما زلت أؤمن أنه حينما يشتد الظلام واليأس لا بد من وجود أمل للخروج.

ما زلت أقاوم، أبحث بين خبايا الظلام لأصل إلى النور، فأتصالح مع نفسي وأستحق أن أحمل اسمي.. أمل.


"نانسي.. لونت عالمي من أجل حياة وفيروز" 

أنا نانسي، فنانة تشكيلية، عمري يتخطى الثلاثين، لكن روحي اكتسبت خبرات تجعلني في مصاف من هم في الستينيات من عمرهم، كنت من أوائل السيدات اللاتي عملن في مجال الرسم على الأسقف في مصر.

كنت.. أما الآن فأعيش في عالمي الخاص أو فلتقولي في "قوقعتي" بعيدًا عن الزحام والناس، بين جدران بيتي الصغير الذي لونته بنفسي وصنعت ستائره بيدي وزينت أثاثه بخيوطي، فأفكار المجتمع الذي أعيش في كنفه تتعارض مع أؤمن به من أفكار وما أغرسه من قيم في نفس بناتي، فأنا أم مطلقة مرتين، وما أدراك ما معنى الطلاق مرتين في بلد كمصر.



تجربة الطلاق لم تكن سهلة أبدًا ولن تكون، فالإحساس بالفشل في علاقة خاصة إن كان الحب أساسها، تحمل قدرا كبيرا من كسر للقلب ممتزج بجرح في الروح، لكنني لم أكن أملك رفاهية الانهيار، فقد كنت مسئولة بعد انتهاء الزيجتين عن "بناتي" ووجب على، بعد رفض عائلتي طلاقي وتخلي آباء بناتي عن تحمل مسئوليتهن المادية، أن أستعيد قواي سريعًا، وأن ألون عالمي من أجل حياة وفيروز، وأن أبحث عن عمل جديد عوضًا عن عملي الشاق الصعب الذي برعت فيه يومًا ما في مقتبل شبابي.

ولأنني فنانة تشكيلية فإن اتجاهي لأحد دروب الفن كان أمرًا منطقيًا، فبحثت وتعلمت أصول الكروشيه من الإنترنت، وبالتسويق الإلكتروني تمكنت من كسب المال الذي ساعدني على دفع إيجار سكني مع بناتي وتوفير مصاريف الحياة اليومية الباهظة قدر الإمكان.



لا أخجل من حالتي الاجتماعية، حتى وإن تعامل معي البعض كأنني مجذومة، وأنا أصرح دائمًا بأنني خضت تجربة الزواج مرتين، ولا أخفيكم سرًا إن جاءت فرصة مناسبة لزواج ثالث لن أرفض، فتجاربي لم تصل بي إلى مرحلة تكوين "عقدة" أو أنني أصبحت من أعداء الرجال، فلا يزال الأمل يراودني على الرغم من قتامة المشهد الراهن.



أكثر ما يؤلمني هن "فيروز وحياة" فكلاهما من أب مختلف، وكلاهما لم يحصلن على الحنان الكافي من الأب، وهو ما يستدعي أن أمارس أنا الدورين، الأم والأب، لكن في الليل يهاجمني الحزن وأنا وحيدة، تثور دموعي لتعبر عن جبال الهموم التي يحملها قلبي وتراودني كثيرًا أفكار عن الانتحار، لكن بين كل هذا الجزع أرى دائمًا الأمل في الغد، فحياتي لا تزال تملؤها الألوان ولم يسيطر عليها قتامة اللون الأسود وكآبته حتى الآن.

على الرغم من مرارة ما مررت به، فما زالت روحي فرحة مشرقة بالحياة، ولا يزال قلبي ساعيًا مخلصًا عن ثمة سعادة بين جبال الألم.


 "سهير: سأظل أبحث عن السعادة.. من أجلها.. من أجل نور" 

اسمي سهير، في الثلاثينيات من عمري، كنت كغيري من الفتيات أشتاق للفستان الأبيض الذي سيحملني إلى دنيا من السعادة المطلقة، لكنني للأسف وجدت الواقع أسوأ مما تخيلت، فقد أصبحت وحيدة وأنا أحمل في بطني ثمرة زواج لم يستمر طويلًا بسبب شريك غير مسئول، قرر ونحن في غمار حياتنا الزوجية أن يهجرني من أجل أخرى، وتركني وحيدة مع ابنتي "نور" التي جاءت إلى الدنيا يتيمة ووالدها على قيد الحياة، وحينها كان على أن أخلع عني عباءة أحلامي الوردية، وأن أغرق في بحر المسؤوليات فقط من أجل عيونها.



نور، ابنتى الصغيرة التي لم تر من والدها إلا الهجران والنسيان، كانت هي هدية القدر التي منحتني سببًا للحياة، بعدما أوشكت أن أزهدها، أعمل مشرفة في إحدى المدارس في المعادي لكي أتمكن من تحصيل قدر كاف من المال يضمن لنا حياة كريمة لكي أعوض ابنتي عن غياب والدها الذي نسي أن له ابنة.



في بيتنا الصغير أعيش أنا وهي، نور حياتي، عاشقة للفنون، تعزف وترسم، لكن قلبي ينفطر كلما نظرت إلى رسوماتها، فدائمًا ما يظهر والدها الغائب على الأوراق، ترسمنا كما تتمنى "أسرة واحدة"، لكن ما بيدي حيلة، وعلى الرغم من قتامة المشهد فأنني سأظل أبحث عن السعادة والنور، من أجلها، من أجل نور.


الجريدة الرسمية