رئيس التحرير
عصام كامل

الألغام والبطالة والتجنيد..تحديات تمنع لاجئي الرقة من العودة

فيتو

بعد أن أعلنت قوات سوريا الديمقراطية انتصارها على "داعش"، يفكر بعض أهالي الرقة اللاجئون بالعودة إلى مدينتهم بعد عودة الحياة إليها، في حين يرى البعض الآخر أنهم استقروا في بلد لجوئهم وأن خيار العودة أصبح من الماضي.

أعلنت قوات سوريا الديمقراطية يوم الجمعة (20 تشرين الأول/أكتوبر) بسط سيطرتها على مدينة الرقة السورية، وهزم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بشكل رسمي، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن المدنيين غير قادرين على العودة لحين انتهاء عمليات التمشيط والألغام في المدينة، حيث يلجأ "داعش" إلى زراعة الألغام بشكل كثيف في مناطق سيطرته التي تتعرض لهجوم من خصومه لإعاقة تقدمهم.

وتتوقع الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أن يتطلب تنظيف الرقة وإعادة إعمارها جهودًا ضخمة، وشهورًا عدة قبل أن تعود الحياة إليها. لكن فرحة بعض أهالي الرقة بـ"الانتصار" على داعش دفعتهم لدعوة أهلهم اللاجئين للعودة إلى الوطن من أجل المساهمة بإعادة إعمارها.

يقول اللاجئ السوري فصيح الشهابي- الذي يقيم في ألمانيا- لمهاجر نيوز أنه اتصل بوالده بعد تحرير الرقة من "داعش" للاطمئنان على أوضاعهم، فطلب منه الأب فرِحًا أن يعود للرقة لكي يساهم في إعمارها، ويضيف: "لو لم أكن متزوجًا لعدت للرقة فور السماح للمدنيين بدخولها، لكن بسبب عائلتي فإنني لن أعود إليها إلا عندما يستقر الوضع الأمني تمامًا وتتوافر جميع الخدمات فيها".

ويعم الدمار مدينة الرقة بالكامل مما يجعل من الصعب التعرف على معالمها، لكن من الممكن تحديد بعض الأماكن من خلال لافتة تشير إلى عيادة طبيب أطفال أو بقايا قماش وآلات حياكة في متجر.

يقول الحقوقي الذي يبلغ 27 عامًا ويعيش في مدينة باساو أنه أخبر والده أنه سيعود بعد أن ينهي دراسة الماجستير إن استقرت الأوضاع في المدينة، ويتابع: "أرغب بالعودة، لكنني أعتقد أنه من الأفضل الآن أن أنهي دراسة الماجستير في جامعة باساو، ولحينها قد تكون الأوضاع قد أصبحت أفضل"، مشيرًا إلى أنه بالرغم من فرحته، بـ"تحرير" الرقة من "داعش"، من قبل قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن تلك الفرحة ممزوجة بالحزن على الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة.


وقدّرت الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي أن 80% من مساحة الرقة باتت غير قابلة للسكن. وتعاني المدينة حاليًا من غياب كامل للبنية التحتية الأساسية. في الأحياء الواقعة على أطراف المدينة والتي تمت استعادتها في بداية الهجوم ضد تنظيم الدولة الذي بدأ منذ أشهر طويلة، منازل مدمرة وأخرى انهار سقفها أو خلعت أبوابها.

بعض تلك السقوف انهارت على مدنيين لتكون سببًا في موتهم، مثلما حصل مع والديّ اللاجئ السوري خليل محمود الذي يعيش في مدينة منشن غلادباخ الألمانية منذ ثلاث سنوات.

يقول محمود، الذي يبلغ 28 عامًا، لمهاجر نيوز أن والديه اللذين كانا في الرقة ماتا قبل نحو شهر ونصف مع ثلاثة عشر آخرين نتيجة سقوط سقف أحد المباني عليهم، ويتابع: "الفرحة بتحرير الرقة من "داعش" لم تستطع أن تزيل من قلبي ألمي بفقدان والديّ".

ويؤكّد محمود أنه لن يعود للرقة أبدًا حتى ولو استقرت الأوضاع فيها، ويتابع: "لم يعد هناك ما يربطني بالرقة بعد رحيل أمي وأبي. لن أعود لكي لا أرى المكان الذي ماتا فيه، وحتى لا أرى بيتنا الذي كانا فيه".

ويضيف اللاجئ الشاب أنه يريد الاستقرار في ألمانيا كي يعيش أبناؤه في المستقبل حياة هنيئة، ويقول: "أنا أعيش هنا منذ ثلاث سنوات، وقد استقرت أوضاعي هنا، حيث أعمل على الآليات الثقيلة. لكن إن عدت للرقة فإنني أحتاج لسنوات حتى أصل إلى هذا الاستقرار".


لكن محمود يؤكّد في الوقت نفسه أن هناك العديد من اللاجئين الذين يريدون العودة إلى المدينة فور انتهاء عمليات التمشيط وإزالة الألغام، ويتابع: "بعض أقاربي وأصدقائي في تركيا أخبروني أنهم سيعودون في أقرب وقت ممكن".

ويوافقه في الرأي اللاجئ السوري نجم الدين النجم المقيم في مدينة أورفا التركية الذي قال لمهاجر نيوز أن الكثير من أهل الرقة اللاجئون في تركيا سيعودون إليها في حال استقرار الأوضاع، وتابع: "أتوق للعودة إلى بلدي، لكن هذا صعب في حال كان الأمان مفقودًا وسبل المعيشة صعبة".

يقول الإعلامي الذي لجأ إلى تركيا منذ أكثر من سنتين أنه وبالرغم من أن الخطر الأكبر المتمثل بسيطرة "داعش" على المدينة قد زال، إلا أن الخطر ما زال قائمًا برأيه، ويتابع: "إحدى تلك المخاوف هي وجود خلايا نائمة لداعش في المدينة، وثانيها هي عمليات التجنيد الإجباري التي من الممكن أن تنفذها قوات سوريا الديمقراطية".

وبالرغم من تلك المخاوف فإن اللاجئ الشاب يؤكّد أنه يريد العودة لمدينته ولا يريد الاستقرار في تركيا، وعن السبب يقول:"في تركيا يوجد إرهاق نفسي، ومشكلات مادية، والناس بطبيعتها عاطفية وتحب بلدها".

وكان عشرات آلاف المدنيين قد فروا من مدينة الرقة هربًا من المعارك الضارية التي شهدتها، وخلت المدينة تدريجيًا من سكانها لتصبح فارغة تمامًا منهم لحظة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها.

وتوقع المتحدث باسم رئاسة الأركان الفرنسية باتريك ستايغر ألا يتمكن المدنيون من العودة إلى الرقة إلا "بعد أسابيع طويلة" بسبب الألغام. وقال "المدينة مليئة بالألغام المصنعة يدويًا".
محي الدين حسين-مهاجر نيوز

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية