رئيس التحرير
عصام كامل

حسام عبد الله يكتب: الكرامة بين الحقيقة والوهم

حسام عبدالله
حسام عبدالله

أتساءل كثيرا عن مفهوم الكرامة، وأحتار عندما أجد اختلافا في استخدام هذه الكلمة بين الناس، أحيانا أجد امرأة تتحدث عن زوجها وتقول: "أهان كرامتي"، وأحيانا أخرى أجد ابنا يتحدث عن والده: "ده جه على كرامتي"، وفي كثير من الأحيان أجد جماعة تقول: «كرامتنا اتهانت».


ترى ما هي الكرامة، وأين تقع في الإنسان؟
الكرامة هي "قيمة الإنسان" كما يتصورها الإنسان ذاته بشكل خاص، وكما تعارف عليها المجتمع والعرف بشكل عام، فهي تتفق جميعها في كونها قيمة الإنسان، وتختلف الكرامة من إنسان إلى إنسان، ومن مجتمع إلى مجتمع، ومن عصر إلى عصر، وفق الرؤية وتحديد قيمة الكرامة.

والكرامة هي المظلة التي يتم التشريع تحتها، وأي تعارض بين كرامة الإنسان والتشريع، فإن التشريع يعد باطلا، فنجد الدستور الألماني في مادته الأولى ينص على مبدأ الكرامة قائلا: «كرامة الإنسان هي أمر لا يمس به. يجب احترامها، وحمايتها هي واجب كل سلطات الدولة».

في حين ترتبط الكرامة في الإسلام بالتقوى، يقول الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، ومفهوم التقوى ها هنا هو الإخلاص لله والعمل وفق شرعته ومنهاجه، دون ظلم لأحد، فالكرامة هنا هي حماية الذات من الخوض في المعاصي، وحماية الآخرين من إيقاع الظلم عليهم.

ولكن السؤال الآن، أين محل الكرامة من الإعراب في العلاقة بين الأبناء ووالديهم، أو بين الزوجات وأزواجهن، أو بين الأساتذة وتلامذتهم؟ هل هناك ما يسمى بالكرامة بينهم؟ هل هي محدودة أم مطلقة؟

ثمة مقولة مشهورة مفادها: «لا كرامة بين زوجين»، نتفق أو نختلف معها، ولكن في الحقيقة هي تعبر عن تلك العلاقة القائمة على العطاء أكثر من الأخذ، فكل من الزوجين يضحي من أجل الآخر، ويتحمل كل منهما آلام الآخر، فالكرامة تذوب داخل هذه العلاقة الحميمية، حيث إن الزوج لا يجد غضاضة في القيام بعمل لا يمكن أن يقوم به من أجل شخص آخر، ويتحمل من زوجته ما لا يتحمله من شخص آخر، والعكس صحيح.

أما الأبناء فيرتبطون بشكل كبير بنموذج كبير هو الأبوين، فينصاعون لأوامرهم ويلبون طلباتهم في طاعة كبيرة، قد لا يقبلون بتنفيذ أقل منها بكثير لآخرين، في حين ينحني ظهر الآباء والأمهات في سبيل إسعاد أبنائهم، ويلبون لهم الكثير من الاحتياجات دون النظر إلى قيمة الذات، ويتحملون في ذلك ما لا يطيقون فعله بملايين الجنيهات، فقط للأبناء، بل ويتحملون من الأبناء ما لا يتحملون من الآخرين، ألا ترى الأب يمتطيه ولده، ويسعد الأب بذلك.

والعلاقة بين التلميذ وأستاذه علاقة قائمة على قداسة مقام المعلم، ذلك الذي ينقل للتلاميذ المعارف والقيم والمبادئ، مما يجعل مقام المعلم رفيعا دون حدود، فهو له حق التعليم والتقويم، فتزول كرامة التلميذ في حضرة المعلم المقوم، لذلك نجد ابني أمير المؤمنين هارون الرشيد يستبقان إلى حمل حذاء معلمهما إليه، مع رفعة شأنهما في الدولة، ولكن أمام المعلم تزول هذه المقامات.

إذن الكرامة مبدأ حاضر غائب في آن واحد، حاضر في علاقات محددة، ووهم في علاقات أخرى، حاضر في ثقافات محددة، ووهم في ثقافات أخرى، واقع في بلدان محددة ووهم في بلدان أخرى.

لقد قال لي أحدهم ذات مرة: «إن إهانة كرامتك هي قدر ما تظهره للآخرين»، أي إن إهانة الكرامة هو قدر ما تظهره للآخرين من إهانة لكرامتك، فتبسمك في وجه ابنتك التي سكبت عليك الماء، نفي لإهانة الكرامة، وصياحك في وجهها وغضبك لنفس الفعل، هو إقرار لإهانة الكرامة.

فنفس الحدث، يراه شخص إهانة للكرامة، ويراه آخر عدم إهانة للكرامة، الصراع بين الحقيقة والوهم.
الجريدة الرسمية