رئيس التحرير
عصام كامل

حادث الواحات والتقصير الإعلامي!


أكدت التغطيات والمتابعات الإعلامية التي أعقبت حادث الواحات الأخير أننا، كمجتمع إعلامي، ما زلنا نراوح مكاننا من حيث الاستسهال والإهمال والانفصام التام عن إدراك المخاطر الجمة التي تحيط بنا، وخاصة مخاطر ظاهرة الإرهاب الأسود.

هذه التطورات أيضا كشفت كذلك أننا كمجتمع، بشكل عام، ما زلنا نراوح مكاننا من حيث الفشل والانغماس في النظر أسفل أقدامنا.. ودعونا نبدأ الحكاية من نهايتها.

فرغم مرور أقل من أسبوع على الحادث الذي راح ضحيته نخبة من أطهر أولاد مصر، بينما كانوا يدافعون عن أمن كل مواطن وحقه في الحياة، رغم مرور هذه الأيام القلائل، نسي غالبية الإعلاميين والصحفيين الحادث، وكأنه حادث عارض، وتحولوا إلى استعراض ومناقشة ما استجد من عناوين وموضوعات وأحداث نستطيع أن نعتبرها، دون خجل أو تأنيب ضمير، موضوعات تافهة هايفة، رغم أن أولئك اهتموا جدا جدا خلال الساعات الأولى التي أعقبت الحادث، بتحليل وتفسير وتأويل تطورات الحادث، بأداء لا أستطيع أن أصفه بأي وصف سوى أنها كانت تغطيات ومتابعات لم تعل من الصالح العام ولم تفد المجتمع، بل على العكس، أرى أن هذه المعالجات الإعلامية حققت لأولئك الخونة العملاء مرتكبي الحادث ترويجا وتسويقا لم يحلموا به، ولا يستطيعوا أن يصلوا إليه مهما أنفقوا من أموال أو ارتكبوا من آثام!

أقول إن أولئك الإعلاميين دائما ما يكررون ذات الخطأ، منذ بداية الهجمة الشرسة الأخيرة للإرهاب التي بدأت تشتعل قبل أربع سنوات، ينصبون من أنفسهم أوصياء على كل كيان في المجتمع، يدعون كذبا إدراك خفايا وأسس كل شيء في الدنيا، بدءا من أقل الأشياء وانتهاء بأهمها وأعقدها، وخاصة التعقيدات والتداخلات المرتبطة بقضية الصراع بين أجهزة الأمن وجماعات الموت والدماء، ويستعينون في ممارساتهم الغبية، براغبي شهرة وانتشار، يطلقون على أنفسهم أوصاف من نوعية خبراء أو متخصصين أو باحثين … إلخ !

وفي كل مرة، ودون أن يدركوا، يضعون المجموعات الإرهابية الممولة في ذات المكانة التي تشغلها أجهزة الدولة المعنية بالمكافحة، ومع تكرار هذه التغطيات الإعلامية القاصرة حققوا لكل مارق استحوذ على تفكير عدد من المغيبين، شهرة وانتشارا بترويج اسمه أو الاسم الذي أطلقه على مجموعته.

أولئك لم يدركوا أنهم باتوا أدوات تتيح لأولئك المأجورين المساومة والفصال مع مموليهم للاستحواذ على المزيد والمزيد من الدولارات والأتعاب!

وبدلا من أن يدرك أولئك أن رسالتهم الأهم، وعبر الكاميرات التي يجلسون أمامها، هي حشد الناس ضد خطر الإرهاب ومن وراءه، وبدلا من أن يحرصوا على فضح كل الممارسات الإرهابية ودوافعها ومن وراءها، باتوا أدوات تنشر الخوف والرعب لدى عامة الناس، وتصدر اليأس والإحباط لكتائب مكافحة الإرهاب من رجال الجيش والشرطة!

المثير، وربما الأمر المستفز، أن أحدا –في غالبية وسائل الإعلام وخاصة المرئية- لا يهتم بتأمل ودراسة المواقف والتصرفات التي لا يختلف أي دارس أو مهتم بأسس عمل وسائل الإعلام على أنها ممارسات خاطئة وغارقة في الخطأ، بل تصل فيما تحدثه من آثار سلبية، لذات الوصف الذي نطلقه على المنهضين والكارهين وخاصة المأجورين العملاء!

ويزيد من حالة الاستغراب أن تشكيل مجالس وهيئات معنية بتنظيم ومتابعة عمل وسائل الإعلام، لم يغير ساكنا، ولم ينبه غافلا ولم يحاسب مخطئا أو مقصرا، ولم يشغل أي من قيادات وأعضاء هذه المجالس– مع كل الاحترام لأشخاصهم جميعا– بالاسراع بتصويب وجهة وأساليب عمل وسائل الإعلام والقائمين عليها، لدعم شعب يلهث وراء لملمة كيانه الذي يعاني التمزق والتشرذم، ويأمل في إعادة بناء بلده!

إن بلدا في حالة حرب حقيقية غير تقليدية تحتاج إعلاما أكثر وعيا وأكثر نضجا، وأكثر قدرة على جذب الناس وراء مصالح بلدهم، ولا تحتاج إعلاما تحكمه رؤى وتوجهات توصف بأقل العبارات بالقاصرة المقصرة !

الجريدة الرسمية