رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«سجينات الجسد».. مغربيات بميول جنسية ذكورية

فيتو

ولدن بجسد أنثوي، لكن أحاسيسهن وأفكارهن وميولهن الجنسية ذكورية. النبذ الاجتماعي يدفعهن للعيش على هامش المجتمع.

عربية التقت نساء مغربيات كسرن حاجز الصمت، وقررن الكشف عن معاناتهن في مجتمع يتهمهن "بالشذوذ". مشيتها..تسريحة شعرها...لباسها...طريقة حديثها، كل شيء كان يوحي بأنها شاب وليست فتاة، لكن بمجرد أن اقتربت منها وتفرست في ملامح وجهها سرعان ما اكتشفت أنها أنثى بلباس ذكوري. رفضت أن تتحدث معي بصفتها أنثى مشددة على أنها ذكر في جسد أنثوي تكرهه وتحاول التمرد عليه وإخفاءه بارتداء ملابس ذكورية.

"جسدي لا يناسبني"
"سميرة" "اسم مستعار" طالبة في السنة الثانية قسم الحقوق وتبلغ من العمر 22 عامًا، ولدت "سميرة"، التي تعيش في مدينة الدار البيضاء بالمغرب، بجسد أنثوي لكنها تحس أنها ذكر. تقول في حوارها مع DW عربية "منذ طفولتي كنت أحس أنني ولدت في جسد لا يناسب أفكاري ورغباتي".

بعد زيارتها لطبيب نفسي مؤخرًا، اكتشفت "سميرة" أنها تعاني من اضطراب في الهوية الجنسية وهو التشخيص الذي يطلقه علماء النفس على الأشخاص الذين يعانون حالة من عدم الارتياح لنوع الجنس الذي ولدوا به.

القلق والخوف من المستقبل والإحساس بالذنب، مزيج من المشاعر التي اجتاحت "سميرة "منذ طفولتها، ما دفعها في سن 12 عامًا إلى ارتداء الحجاب. غير أنها بعد أربع سنوات على ارتدائه قررت "سميرة" خلعه: "عانيت من صراع نفسي في داخلي، لم أستطع تقبل ذاتي لأنني كنت أعيش بهوية تناقض هويتي الأصلية ما دفعني إلى خلع الحجاب".

إقصاء اجتماعي
بعد ذلك قررت "سميرة" مواجهة عائلتها ومحيطها الاجتماعي. حين استعادت ذكرياتها عن تلك المرحلة تغيرت ملامحها، سطع فرح في عينيها لتحكي بنبرة متحمسة: "مازلت أتذكر تلك اللحظة؛ حملت المقص وقصصت شعري في الحمام، لا يمكن أن أنسى ذلك الشعور...إنه الإحساس بالحرية والانتصار...كأنني تخلصت من حمل ثقيل يرزح على كاهلي".

عدم تقبل عائلتها نمط حياتها الذكوري وإقصاء المجتمع لها، انعكسا سلبًا على نفسيتها، تواصل حديثها بنبرة حزينة "المجتمع يعتبرني لا شيء (...) في كل يوم على أن أواجه الناس. وأدافع عن نفسي. وحتّى في الجامعة أتعرض للإقصاء بسبب مظهري".

نبذ المجتمع لها وشعورها بعدم وجود حل لما تعانيه، وشن زملاؤها بالجامعة حملة ضدها معتبرين أنها "مثلية" وتتشبه بالرجال ولا ينبغي أن تدرس معهم. كل تلك العوامل دفعتها إلى التفكير في الانتحار، على حد قولها. وتتابع "سميرة" قائلة: "أحاول دائمًا ألا أبكي لأن البكاء بالنسبة لي ضعف وإحساس بالعار. لقد حاولت الانتحار أربع مرات...أردت أن أنهي حياتي وأتخلص من هذا العذاب".

"المكلف بحقوق الإنسان يصفنا بالأوساخ"
وكانت "سميرة" قد اقترحت على فتيات لديهن نفس رغباتها الذكورية، الخروج إلى الشارع للاحتجاج والمطالبة باعتراف المجتمع بحقوقهن. كما عقدن العزم على إنشاء جمعية تمثلهن وتوفر لهن الدعم، لكنهن تراجعن بسبب انسحاب أغلبية الفتيات عقب تصريحات وزير "الدولة المكلف بحقوق الإنسان"، مصطفى الرميد. وأثار وصف الرميد "الشذوذ الجنسي" في لقاء صحفي "بالوساخة والقذارة" موجة من الاحتجاجات في صفوف ناشطين ومنظمات حقوقية.

تشرح لنا "سميرة" الأسباب وراء تراجعهن عن الخروج إلى الشارع للاحتجاج وتكوين جمعية تدافع عنهن: "من أهم الأسباب هو وصف مصطفى الرميد لنا بالأوساخ والقذارة وتأييد الرأي العام له والفصل 489 من القانون الجنائي المغربي، الذي يتهمنا بالشذوذ".

ويشار إلى أن الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي "ينص على المعاقبة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وغرامة من مائتين إلى ألف درهم، كل من ارتكب فعلًا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه ما لم يكن فعله جريمة أشد".

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد طالبت بحذف هذا الفصل وبقية الفصول التي تنص على عقوبات للذين يقيمون علاقات جنسية برضى الطرفين البالغين.

سنصير يومًا ما نريد!
"نبيلة" (اسم مستعار) طالبة في قسم الفيزياء وتبلغ 23 عامًا وتقطن في مدينة الدار البيضاء بالمغرب. ترتدي "نبيلة" ملابس ذكورية. تقول في حوارها مع DW عربية بلهجة متحدية: "سنعيش رغم أنوفهم ونلبي رغباتنا ولن ننتظر قبولهم لنا". وتضيف: "ينعتوني بالوساخة والقذارة فقط لأنني مختلفة عنهم".

رفض عائلتها لنمط حياتها الذكوري وخاصة شقيقها الأكبر يشعرها بالحزن تهمس بنبرة منخفضة "أخي يكرهني لقد أخبرني بأني لو كنت ابنته لقتلني". ترغب "نبيلة" في أن يتقبلها شقيقها ويتوقف عن الإساءة إليها وتطمح في إجراء عملية تحول جنسي خارج المغرب.

تلجأ بعضهن لمواقع التواصل الاجتماعي للهروب من الواقع المؤلم والرافض لهن. في الفضاء الافتراضي يتعرفن على بعضهن ويحكين تجاربهن، ولكن من بينهن من تتعرض للابتزاز: "بعض صديقاتي تعرضن للابتزاز، فمن بينهن من طردتها عائلتها بعدما اكتشفت رغباتها الجنسية الذكورية".

سبل الإدماج
يقول رضى المحاسني إخصائي في علم النفس في حواره معDW: "إن هذه الحالات تنقسم إلى قسمين، فئة تقبلت هويتها الذكورية وتخرج لمواجهة المجتمع بلباسها الذكوري ويلقبها المجتمع المغربي بـ 'المسترجلات' وفئة تفضل عدم الكشف عن ميولها الذكورية خوفًا من نظرة المجتمع". واعتبر المختص في علم النفس "أن النساء اللاتي يفضلن إخفاء رغباتهن الجنسية الذكورية يعشن في صراع نفسي داخلي أكثر من الفئة التي تواجه المجتمع".

وأضاف المحاسني في سياق حديثه عن سبل إدماج هذه الفئة في المجتمع المغربي قائلًا: "إن تداخل الجانب الديني والاجتماعي يجعل فكرة الإدماج صعبة ولكن ليست مستحيلة، فعلينا الاشتغال على تغيير العقلية السائدة التي ترفض هذه الفئة وأن نعمل على بلورة آليات تقبلهن وإدماجهن في المجتمع". وحذر المتحدث ذاته من تداعيات إقصاء هذه الفئة معتبرًا أن "اضطراب الهوية الجنسية لدى بعض النساء قد يؤدي إلى إصابتهن بالاكتئاب الذي يدفعهن إلى التفكير في الانتحار بسبب شعورهن بعدم وجود حل لمعاناتهن".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


Advertisements
الجريدة الرسمية