رئيس التحرير
عصام كامل

زكى نجيب محمود وإعجاز القرآن العلمى 3


من القضايا الإسلامية التى شغلت اهتمام الدكتور زكى نجيب محمود وحرص على الرد عليها: قضية "استخراج النظريات العلمية من القرآن"، أو تقديم تفسير علمى للقرآن، والادعاء بأن أصول العلوم الطبيعية، بل نظرياته، موجودة بكاملها فى القرآن.


بدأ هذا الاتجاه عند بعض العلماء والمفسرين أثناء بيان موقف القرآن من العلم، وهو اتجاه يأخذ بتحكيم المصطلح العلمى فى التفسير، وحمل العبارة القرآنية على وجه يطابق ما وصلت إليه علوم العصر.

ويصرح أحد المنتمين إلى هذا الاتجاه بأن «الإعجاز العلمى للقرآن لا يجرؤ أى مكابر أو ملحد على أن يجد موضوعا للتشكيك فيه؛ ولهذا فإن علينا نحن المشتغلين بالعلم أن نبرز الإعجاز العلمى للقرآن تيسيرا للدعوة إلى الإسلام فى هذا العصر.

وذهب عبدالرزاق نوفل فى كتابه «القرآن والعلم الحديث» إلى أن القرآن قد جاء بوصف شامل دقيق لأصل العالم بما يتفق مع آخر ما وصل إلينا من العلم الحديث، وأن ما جاء به القرآن من معلومات عن علم الفلك يتفق مع ما وصل إليه العلم، بالإضافة إلى حقائق أخرى عن «المادة» و"الزمان» و«المكان» و«المجموعة الشمسية» و«الظواهر الكونية» وغيرها.

لكن الدكتور زكى نجيب محمود يرى فى هذه الدعوة انحرافا شديدا عن النظرة العلمية، وهذه الدعوة إذا سمعها الجمهور وطلاب العلم وكبار العلماء كان لها أكبر الأثر فى فساد العلم، وانحراف الفكر السليم عن المنهج العقلى، ويتلخص نقده فى نقطتين:

النقطة الأولى: أن القرآن الكريم هو كتاب مُنزّل لتوضيح عقيدة وشريعة، وقد تكون منه بعض الإشارات إلى حقائق علمية، إلا أن ورودها لم يكن بقصد أن تكون نظرية علمية، وإنما وردت لتخدم القصد المتفق مع سياق ورودها.

النقطة الثانية: أن العلم بحكم طبيعته يُصحّح نفسه بنفسه، والحقائق فيه متغيرة، والوقائع تنكشف باستمرار، ونظل نلاحقها بتغيير القوانين العلمية، فإذا ارتبط العلم بالعقيدة، فمن ذا الذى يرضى لعقيدته الدينية أن توضع فى هذا المنظور المتغير مع تعاقب العصور؟

فالعلم متغير، وكل عصر جديد يصحح أخطاء العلم فى العصر السابق، إما باكتشاف جديد، أو دقة الأجهزة التى تضبط الاكتشافات، فالعلم متغير والعقيدة الدينية ثابتة، والدين ثابت منذ ظهوره، ومع مرور الوقت يظل أيضا ثابتا، والعلم متغير ومتطور عبر الزمان.

ويؤكد زكى نجيب محمود أن دعوة استخراج الحقائق العلمية من القرآن ستؤدى إلى أمر من أمرين: إما أن يُثبت العلم الطبيعى، وهذا مُحال، وإما أن يتغير الدين بتطور العلم، وهذا مُحال أيضا، ولذا أوجب علينا احترام الحقائق العلمية التى لا سبيل إلى نكرانها، حتى إذا وجدناها كأنها تتعارض مع نصوص العقيدة فى ظاهرها وجب النظر فى تأويل تلك النصوص تأويلا يقبله العقل، وتقبله اللغة العربية فى الوقت نفسه.

ويرى أن للمسلم كتابين: كتاب القرآن الكريم، وكتاب الكون العظيم، فمن القرآن يستمد المسلم المبادئ والقواعد التى يقيم حياته السلوكية على أساسها، ومن الكون يستمد المسلم وغيره قوانين العلم، وكلاهما مقروء للناس بمقادير ودرجات، ولكل كتاب عالم مختص به.. ونكمل غدا.
الجريدة الرسمية