رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

بالفيديو.. «ليست مجرد لعبة».. كرة القدم تمسح دموع الشعوب

فيتو

بعيدًا عن "فلاسفة النكد" من يعرفون كرة القدم في قواميسهم بأنها مجرد كرة جلد يعشقها التافهون وأصحاب أوقات الفراغ الطويلة؛ لكن ما تفعله كرة القدم بالشعوب وما تحركه من مشاعر لا يضاهيها فيه إلا أمور قليلة في الحياة.


فمنذ عام 1863 سنة وضع أول قانون ينظم قواعد اللعبة في إنجلترا وكرة القدم تنمو لتأسر قلوب المليارات وتتربع على عرش الاهتمامات وتصبح علامة في تاريخ الإنسانية ربما تستمر لقرون أخرى.

أثر الساحرة المستديرة أصبح يضاهي السياسة والاقتصاد وتحول إلى سبب فرحة وأحيانا حزن الملايين، لكن بالتركيز على الجوانب الإيجابية سنجد أن كرة القدم مسحت دموع شعوب بأكملها وزرعت بداخلهم الأمل أن الحياة تستحق وأن الدنيا دائرة تتغير أحوالها وتتبدل في غمضة عين.

الأهلي:
ولا دليل على ذلك أكثر مما أدخله فوز النادي الأهلي في نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا على النجم الساحلي التونسي بسداسية خففت عن المصريين قليلًا هول فاجعة استشهاد 16 من خيرة شباب الوطن في حادث إرهابي بالواحات البحرية، ضحوا بأنفسهم لتستمر الحياة داخل المحروسة بابتسامة سعادة وسط الكرب، فلم تذهب دماءهم هدرا بل منحت الملايين الأمان لتحيا وتسعد.



ما فعله الأهلي هذه المرة كرره من قبل في أوقات عاشت فيها البلاد أيام عصيبة فكان هو السبب في فرحة المصريين فمن ينسى أطفالنا الـ51 الذين راحوا ضحية الإهمال عام 2012 في حادث مزلقان أسيوط، تفاصيل الحادث كانت مفجعة زهور في طريقها للدراسة أقصى ما يشغل بالهم ماذا سنفعل في فسحة اليوم قطفهم تخاذلنا وهواننا على أنفسنا فذهبوا لملاقاة رب رحيم، ووسط الصدمة حصد الأهلي يومها بطولته المفضلة دوري أبطال أفريقيا بفوز يتذكره الجميع على الترجي التونسي بهدفين مقابل هدف على ملعب رادس بالعاصمة تونس لتمسح كرة القدم الدموع وتبرد من نار الحزن.


في ظروف أخرى فاز الأهلي في نوفمبر 2013 بدوري أبطال أفريقيا للمرة الثامنة في تاريخه والثانية على التوالي ويومها ظهر ستاد المقاولون العرب بالجبل الأخضر في أزهى صوره له ليرفع فوز الأهلي على اورلاندو بايرتس الجنوب أفريقي بهدفين روح المصريين قليلا خلال فترة صعبة مشحونة بالكراهية الإرهاب والعنف عقب فض اعتصامي جماعة الإخوان وأنصارها في رابعة والنهضة، لتبعث كرة القدم برسالة مرة أخرى أن الحياة ستستمر إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.


ربما لا يوجد شعب بائس على وجه الأرض خلال السنوات الأخيرة كالشعب السوري، تمزقت البلاد وسكنها خفافيش التطرف بمليشيات متعطشة للخراب ورئيس أبى أن يتنازل من أجل الدماء و5 ملايين لاجئ سوري في دول الجوار فقط وفق ما أعلنت الأمم المتحدة، ووسط كل هذا الانقسام والموت التف السوريون في كل أنحاء العالم حول منتخب كرة القدم الذي حاز فرصة ذهبية لبلوغ نهائيات كأس العالم، فتحولت ميادين دمشق والقاهرة وبيروت وإسطنبول وعمان إلى مدرجات للجمهور السوري يشجع أبناء بلاده ويرجو من الله بسمة من كرة القدم تقف أمام شياطين التقسيم وعملاء  الشرق الأوسط الجديد.



ما فعلته كرة القدم للشعوب ليس في منطقتنا فقط، ففرنسا بلد الحضارة والنور لم تيأس أو تستسلم أمام هجمات إرهابية استهدفت رئيسها خلال متابعته مباراة ودية بين منتخب بلاده والمنتخب الألماني في نوفمبر 2015 قبل 8 أشهر فقط من انطلاق كأس أوروبا 2016 التي نظمت في فرنسا واستهدف الهجوم الاستاد الرئيسي للبطولة "دو فرانس" في قلب العاصمة باريس، فرغم مقتل 130 وجرح 386 فرنسيا إلا أن حب الحياة دفع الفرنسيين إلى العودة مرة أخرى وتنظيم البطولة التي تكهن الكثيرين بسحب تنظيمها لصالح دولة أخرى، ورغم خسارة المباراة النهائية أمام البرتغال لكن يكفي الفرنسيين صمودهم من أجل الحياة.



وكما تنسينا الكرة الهموم تمنحنا كذلك الانتصارات المعنوية صغيرة كانت أو كبيرة من وجهة نظرنا، فمن ينسى مباراة الأرجنتين وإنجلترا في مونديال 1986 بالمكسيك، ويد مارادونا أو "يد أهل" كما أطلق عليها والتي تلاها هدف يصنف من الأجمل في تاريخ كأس العالم في عبور الأرجنتين إلى الدور قبل النهائي على حساب "المحتل" إنجلترا، ففوز التانجو منح الشعب الأرجنتيني فخرًا ما زال مستمرا إلى الآن، كلما ذكرت تلك المباراة التي يعيد المحللون والإعلام تذكرها كل عام تقريبا لما لها من أثر سياسي ما زال بين شعبي الدولتين بسبب الاحتلال الإنجليزي لجزر الفوكلاند الواقعة على على سواحل الأرجنتين، فبعد محاولات من الأخيرة لاستردادها عام 1982 وسقوط 1500 قتيل من الجانب الأرجنتيني أصبحت يد مارادونا التي أسكنت الكرة شباك الحارس بيتر شيلتون رمزا لانتصار الشعب اللاتيني الفقير على المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، ووصل الهوس بهذا الهدف والاعتقاد في مارادونا لتأسيس كنيسة باسمه من بعض المهووسين، لها أتباع حتى الآن اعتقادا أن يد ماردونا كانت يد الله فعلًا.



كل ذلك يظهر لنا جليا ماهي كرة القدم وكيف أصبحت علامة إنسانية تجمع كثيرا وتفرق أحيانًا، فمن كان يتصور أن تحتار وأنت تنظر إلى تشكيلة منتخب الديوك الفرنسية في الملعب فيختلط عليك الأمر هل هذا منتخب فرنسا أم السنغال!! من كثرة أصحاب البشرة السمراء وأصحاب الأصول العربية المتواجدين في أرض الملعب، بل أصبحت ألمانيا التي عاشت حقبة نازية كرهت فيها كل ما هو غير ألماني تضم في تشكيلة منتخبها أصحاب الأصول العربية والتركية والأفريقية والبولندية، بل أوصلت كرة القدم بين الشرق والغرب وعرفتنا على بعضنا البعض وأصبحت ترجمانًا حقيقيًا لقوله تعالى في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

فلا يوجد أفضل من كرة القدم لتعارف الشعوب، فمن منا كان يسمع عن دول بحجم جزر كترينداد وتوباجو، جاميكا، وهندوراس، السلفادور، كوستاريكا، بنما إلا بكرة القدم وكأس العالم، فحتى وقت قريب كنا لا نسمع عن دول أفريقية، كالرأس الأخضر وناميبيا وليبيريا وبتسوانا وعرفنا أن الكونغو دولتان وليست دولة واحدة "كونغو كنشاسا، وكونغو برازفيل" وصدمنا عندما أدركنا أن الأولى كانت تسمى سابقا بزائير، وإنها المنتخب الذي أحرجنا في القاهرة عام 1974 في بطولة أمم أفريقيا وفاز بها بعد هزيمتنا أمامه في الدور قبل النهائي، كل هذه الأمم عرفناها من كرة القدم وإن كان هناك من عرفها من الكتب والمراجع فالسواد الأعظم من الجماهير لم تسمع عنها إلا على الشاشات ولاعبوها يتقاذفون كرة جلدية بأقدامهم
Advertisements
الجريدة الرسمية