رئيس التحرير
عصام كامل

شارع جامعة الدول العربية


هو هايد بارك المصريين طوال العام والعرب في فصل الصيف، وربما يكون أهم من الشانزليزيه لو كان لدى المسئولين في المحليات أي قدر من الإبداع، صحيح أن المقاهي تعج بالعرب ولكن الصحيح أيضا أن شوارعه التي تحمل أسماء كل المدن العربية تداعب الشيفونيات وكان أن راح البعض يقيمون المطاعم المتخصصة في الأكلات العربية المشهورة.


ويمكن ًببساطة قياس الرأي العام العربي بأكبر دقة عن أحوال العرب من مناقشات الشارع، وعندما تطاولت قطر على الثوابت العربية راح المغردون بخفة الظل المصرية يقترحون تغيير اسم الشارع إلى شارع جامعة الدول العربية إلا قطر، ورغم ذلك لايزال هناك شارع الدوحة، وبدا الشارع قلقا ومعبرا عن العروبة الغائبة يوم مباراة سوريا وأستراليا كان الجميع ملتفا ويتمني الفوز للفريق السوري وعندما فازت أستراليا في الوقت الضائع خرجت سوريا بعد أن قدمت النموذج فيما يسمي التمثيل المشرف، وعلي الكافيهات تجد اليمني مع السعودي والإماراتي رجالا ونساء غير موالين للمواقف الرسمية في بلادهم، وربما يكون هناك بعض العتب ولكن الشارع وضع قاعدة غير مكتوبة أن ضرورات السلطات لا تجبر الشعوب على الانقياد لها خاصة والجميع يعرف بحكم الخبرة أنهم يتعاركون ويتخاصمون لأسباب أخرى غير المعلنة. 

وفِي بعض المقاهي هناك برلمانات عربية أشد صدقا من البرلمانات الرسمية وأحيانا يشعر الزائر للشارع إنه الممثل الحقيقي للشعوب العربية مقابل الجامعة الممثل الرسمي للحكومات العربية، وفِي منتصف الشارع لخص جاسر معلم الشاورما حال بلده بثقة قائلا كل الأطراف استفادت من تدمير سوريا إلا بشار الأسد وحكومته وطبعا غالبية الشعب السوري، ومشكلة السوريين أنهم صدقوا ما درسوه منذ الطفولة أن العرب أمة واحدة وأن كل الدول العربية ستتوحد في دولة واحدة وكنا نردد النشيد الوطني المصري والجزائري وأن الجسد العربي إذا اشتكي منه عضو تداعى له بقية الجسد بالسهر والحمي ولهذا دخل العرب بلادنا بدون تأشيرة ودرسوا في جامعاتنا مجانا كإخوة للسوريين، وأضاف والدموع في عينيه هل تصدق أن بيانات التأييد العربي للقصف الأمريكي تتزامن مع الشماتة والتأييد الإسرائيلي. 

وحاول أحد السودانيين التهوين عليه قائلا ولكنهم سبقوا وباعوا فلسطين ودمروا العراق وليبيا وقسموا السودان وعاثوا الفساد في لبنان وجار تدمير اليمن وكل ذلك لتبييض وجه ترامب وترحيل مشاكله الداخلية وفشله في كل خطواته منذ وطأت قدماه البيت الأبيض مما أدي لهبوط شعبيته إلى ما دون ال٣٠٪‏ عن اليوم الأول لحكمه. 

كان هذا الحوار ومثله على مقاهي وكافيهات شارع جامعة الدول العربية الذي ابتدعه الضمير المصري ردا على المقاطعة العربية أواخر السبعينيات من القرن الماضي، هذا الحوار العفوي أصدق وأوقع مئات المرات من حديث القادة وأصحاب الفخامة والجلالة في قممهم، ذلك لأن القمم تعقدها جامعة الدول وليس للشعوب مثلها، ويتدخل شيخ سوداني قائلا: المصيبة إن من دفع تكلفة الصواريخ التي قصفت ليبيا وسوريا هي قطر بعد أن فجر الأتراك السلاح النووي في خان شيخون والجميع يعرف أن أسعار النفط سترتفع، ولكن السؤال ماهو الموقف عندما تشح الموارد للدول التي تتعهد بصرف فواتير الحرب؟، وعموما سيذكر التاريخ أن بعض العرب كانوا يرقصون فرحا مع نتنياهو انتظارا لدورهم في الذبح وقصف سوريا هو كرة الثلج التي ستغرق المنطقة في حروب طائفية ومذهبية بنفس سيناريو ما بعد العراق. 

وتطور الحوار ليتفق الواقفون على القاعدة التي كثيرا ماغابت عن الكبار وهي إنه عندما يتعلق الأمر بالتدخل الخارجي لأي بقعة عربية فنحن نقف مع أنفسنا ومع عروبتنا أي مع الشعب السوري بمعني إما أن نكون مع سوريا أو مع أمريكا، لأن مايجري الآن هو مجرد حلقة من مسلسل يمتد من أيام دالاس وعبد الناصر مرورا بحلف بغداد والحرب العراقية الإيرانية واحتلال العراق بأكبر أكذوبة في التاريخ، مرورا بمؤامرة الربيع العبري ويتساءل آخر عن جدوي أنظمة الدفاع الروسي التي سمحت لتركيا وإسرائيل وأمريكا بضرب سوريا، ومن سمح واستأجر كل هؤلاء المرتزقة لتقطيع أوصال الوطن السوري، ومع ذلك فهناك من هو مع الضرب الروسي وضد القصف الأمريكي وهناك طرف مع الضربة الأمريكية وضد الضربة الروسية وأخر مع إسرائيل ضد إيران وأخر مع إيران ضد تركيا، ولأننا أمة ضحكت من جهلها الأمم وآفتها النسيان أليست أمريكا التي تتحدث عن حقوق الإنسان العربي هي التي إعتدت على أربع دول عربية ودمرتها وإرتكبت المجازر لنحو مليون عربي في العراق وليبيا وسوريا واليمن. 

وتستمر حوارات الأشقاء العرب في هايد بارك شارع جامعة الدول وكم تمنيت أن يتخفى أصحاب الجلالة ويذهبون لتناول شاورما المعلم جاسر وينصتون لنبض الشارع الحقيقي بدون أقنعة، ويكفي أن يستمع أصحاب الفخامة للبيان الشعبي العربي في خلاصة مناقشات شارع جامعة الدول العربية التي تحذر من أن المنطقة على فوهة بركان، وتنتظر أي عود ثقاب لتحدث الفوضي الكبري التي وضعها الجمهوريون أيام بوش، ولابد من تحقيق دولي محايد لا يكرر الأكاذيب الأمريكية في العراق وليبيا. 

أن خيارات الشعوب واضحة بلا لف أو بيانات كسيحة، والشارع مع سوريا ومع شعبها، وأن هذا العدوان لن يسقط النظام السوري وحتى إن سقط فسيكون البديل هو الجيل الثالث للقاعدة، بعد أن أدت داعش دورها بامتياز في سوريا وسيكون البديل أكثر قوة وهمجية ليحقق تفتيت سوريا وتقطيعها، ريثما يبحثون عن كرازي أو جلبي آخر وما أكثر المعروض منهم في هذه الأيام.

الجريدة الرسمية