رئيس التحرير
عصام كامل

الإرهاب الدولي الممنهج وخطة تفكيك الدولة


لعل المجتمع بأكمله يبحث عن الانتقام ضد الأيادي السوداء خلف حادثة الواحات لكن خطورة الأمر أعقد من كونها عمليات إرهابية بل هي جريمة مخططة بدقة في تحديد الزمان والمكان والتكتيك العسكري وإدراك رد الفعل السياسي ثم الاقتصادي.. ولا نغفل أن سيناريو ضرب الأكمنة أضعف يد الدولة في سوريا وأيضا العراق.. إنها منظومة دولية معقدة تغذي مناخ الإرهاب الدولي من خلال أفكار تصنع بؤر صراع تفرز تنظيمات عالية الكفاءة يدعمها ثورة المعلومات لتكون قدراتها أخطر من تنظيمات تحظى بدعم أجهزة مخابرات معادية بشكل مباشر.. نحو هدم هيكل الدول الكلاسيكية لتأسيس نظام عالمي جديد.. لهذا أعتقد أن الأجهزة الأمنية المصرية أدت دورها ببسالة لكن المعركة حدودها أكبر من حدود مصر.. وبدون تكاتف المجتمع تعجز الدولة عن مواجهة نظام عالمي جديد على أشلاء دول وشعوب.


تأسست الدولة المصرية كأول دولة مركزية منظمة تاريخيا كان العالم يعيش في شكل جماعات وعصابات بدائية واليوم نجد مصر بالجينات التاريخية هي محور مقاومة تفكيك دول الشرق الأوسط فهي تتحرك جاهدة لمقاومة عصابات تفكيك الدولة الليبية وتدعم الجيش الوطني، وتتحرك شرقا لدعم دول الخليج من ذات المخاطر وبالتالي هي عقبة في السيناريو العالمي لتفكيك الدول، ولعل الأمر قد ينتقل إلى أوروبا بدءا من انفصال إقليم كتالونيا الإسباني بأسلوب أشبه بالمقاومة السلمية تحت شعار الديمقراطية وقد تتحرك العدوى في أوروبا ناهيك عن الثورات الملونة والدعوات الانفصالية في الشرق أوكرانيا والشيشان والقرم.. أن العالم يئن ولعل تهديدات كوريا الشمالية تؤكد توتر التنين الصيني من ولادة النظام العالمي الجديد.

المفكر الأمريكي ألفين توفلر عرف تغير مفهوم السلطة في العصر الحديث فيحدد لها ثلاثة مصادر للسلطة الكلاسيكية.. وهي الثروة والعنف والمعرفة لكن أصبحت المعرفة اليوم بأنواعها قادرة على إخضاع الثروة والعنف ويرى توفلر أن ما يمر به العالم من تغير (الثورة المعرفية) هو ممنهج لخلق رؤية للحضارة البشرية الجديدة في ظل العولمة أو ما يسمى بالنظام العالمي الجديد وتفكيك الهياكل والأنظمة التقليدية.

الثورة المعلوماتية كانت المناخ الملائم لبناء وتنظيم الإرهاب الدولي تقنيا وتنظيما (الاستقطاب) انتهاء بالتمويل والعلاقات الاقتصادية للتنظيمات ولعل أكبر إثبات هو تحول التنظيمات العشوائية لشكل مقرب للدولة (الدولة الإسلامية في العراق والشام) في تطور نوعي خطير ويجب الإشارة أن ما يسمى deep web هي مستوى خفي من شبكة الإنترنت يمثل حلقات الاتصال بين كل المنظمات الإجرامية والمافيا والإرهاب مثل تجارة السلاح والمعلومات والأسرار العسكرية والأغرب أن هذه الشبكة متاحة وممكنة لكل محترفي التكنولوجيا على مستوى العالم ولا يوجد ما يمنعها وكأنها مرغوبة الوجود من صانعي مستقبل العالم.. بما يثير الشك لدعم تنظيمات إرهابية لها شكل أقوى من التنظيم الكلاسيكي للدولة.

إن تفكيك هياكل الدول التقليدية هو الهدف لكنه استلزم شكل القوة الصلبة في الأنظمة القوية مثل الدولة المصرية تارة لكنه يدور بشكل القوة الناعمة في دول أخرى، وإن كان هناك مؤشرات لاستعمال منهجية القوة الناعمة داخل المجتمع المصري رويدا نحو تفكيك المجتمع.

إن ألفين توفلر تحدث عن أثر الثورة المعرفية في عقليات فئات بعينها والتأثير على فكرها وعقائدها (دينيا وأخلاقيا واجتماعيا) بما يسبب تفكك الدول والمجتمعات (الشباب كمثال) بما يساعد على تحلل الدول وانتهى أن الكيان الأقوى في الدولة يكون هو الحكومة السرية المتحكمة في الدولة وليس الحكومة المنتخبة ديمقراطيا بل التي تمتلك المعلومات والأموال ولديها القدرة على تسريبها أو حجبها وتشويش الرأي العام بالشائعات أو ترويضه (ويكيليكس كنموذج).. ومن الحرب المعلوماتية تتحقق أزمات اقتصادية تنهك الدول وتدمر المجتمع.

تاريخيا لا يمكن هدم النظام العالمي الحالي وإقامة نظام جديد بدون حرب عالمية ثالثة مثلما تأسست عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى تلاها استقلال الدولة في مصر وموجة استقلال الدول عالميا، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية لتُفرز منظمة الأمم المتحدة وأيضا تبعها استقلال دول ودويلات وانحلال القوى العظمى بمفهومها التقليدي (المملكة التي لا تغيب عنها الشمس) فهل ستفرز الحرب العالمية الثالثة شكل مختلف للدولة سواء الانقسامات أو تكوين حكومة عالمية موحدة؟!

إن مصر بدون مبالغة بجيناتها التاريخية كدولة مركزية عصية على النظام العالمي الجديد والمعركة ليست ضد مصر إنما هي معركة أشمل ضد الحضارة الإنسانية.. إنها استحضار لروح حرب عالمية ثالثة لها من الشكل والأسلوب المختلف الذي يحقق هدف تفكيك الدول وليس دول الشرق الأوسط فقط.. لنعلن الحرب وليس ضد الإرهاب فقط إنما وأد أسباب شبه الدولة.. وعلاج مجتمع يعاني من التشتت الفكري وانحدار القيم وغياب الوعي والمسئولية.

إن ما يدور في مصر هو إرهاصات لتغير عالمي مرتقب وإن رأس الحربة في معركة البقاء ليس الجندي فقط إنما المجتمع بأسره.. معلم ومثقف ورجل الدين ومواطن ومن خلال وزارات تعليم وثقافة وشباب وأوقاف وإعلام واستثمار واقتصاد وتضامن والحكم المحلي كوزارات فعالة نحو التغيير والبناء وبناء الوعي وإدراك أن الأجهزة الأمنية لم تخل بواجباتها قط لكن نمط الإرهاب المعهود تطور بما يدفعنا كمجتمع للتكاتف من أجل الوطن.
الجريدة الرسمية