رئيس التحرير
عصام كامل

«مسجد المغفرة».. هنا بدأ هشام عشماوي تكوين الخلية المتورطة في حادث الواحات

فيتو

في أحد شوارع حي مدينة نصر الهادئ، وبالمنطقة التاسعة شارع محمد عبد النعيم، صاحب البنايات القليلة والتي بدت حداثتها من نصاعة واجهاتها ذات الطابع الحديث، على ناصية أحد الشوارع الفرعية، توجد بناية متهالكة، مهجورة من أصحابها، باب حديدي صدئ ولافتة كتب عليها شارع "علي عشماوي" والد الضابط المفصول من الجيش المصري هشام عشماوي، الذي سيصبح فيما بعد أحد أشهر العناصر الإرهابية في مصر.

"هادئ الطباع، ملتزم دينيا، في حاله، من البيت للشغل للجامع".. هكذا وصف الحاج صلاح الذي تجاوز الستين من عمره، هشام عشماوي الضابط السابق الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى أخطر إرهابي في مصر!

"الحاج علي عشماوي من أوائل سُكان هذه المنطقة لذا سمي الشارع باسمه - شارع علي عشماوي - متفرع من شارع محمد عبد النعيم بالمنطقة التاسعة بمدينة نصر، كان يعرف بطيبته وحسن خلقه والتزامه الديني الذي أخذه عنه أبناؤه"، هكذا يقول جيران هشام عن والده.

بناية من ثلاثة طوابق تطل على شارع عمومي وآخر فرعي سمي على اسم والده، يسكن هشام الطابق الثاني المطل على مدرسة نجيب محفوظ التي قضى هشام طفولته وتلقى تعليمه الأساسي بين جدرانها، حيث شهد فناء المدرسة بداية تعلق هشام بـ"كرة القدم".. كان مشجعا أهلاويا حتى النخاع!

أتذكر في بطولة أفريقيا 2008 نزل هشام الشارع واحتفل بيننا بحصول منتخب مصر على اللقب!

يتحدث جيران "هشام عشماوي" بشيء من الأسف لما تحول إليه الشاب هادئ الطباع بين ليلة وضحاها إلى مجرم وإرهابي سفك الكثير من الدماء بعد أن كان ضابطا ملتزما.

أسفل منزل هشام عشماوي توجد زاوية للصلاة تحت اسم "مسجد المغفرة"، في مساحة لا تتعدى المائة وخمسين مترا، زاوية بسيطة لم تصبها رفاهية مساجد مدينة نصر، بلا مكيفات، وميضأة للوضوء متهالكة، يضم المسجد مكتبة صغيرة تحتوي على كتب أمهات الأفكار الظلامية لكبار التكفيرين "محمد عبد المقصود، الداعية السلفي الموالي لجماعة الإخوان الإرهابية، محمد شاكر العالم الأزهري منهل الحركات الإخوانية، وعدد من الكتب التي ضمت بين ثناياها قضايا فقهية على شاكلة "لماذا الحجاب، وتفنيد البدع لأهل الصوفية" وغيرها من الكتيبات الصغيرة لمشايخ السلفية.

"المسجد لم يكن له خطيب تابع للأوقاف، بجانب كونه قبلة الطلاب الأجانب الذين أتوا من بلدانهم للدراسة في الأزهر، واعتاد هشام أن يؤم الناس في صلاة الفجر والعشاء إذ كان يردد دائما الحديث النبوي القائل: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)، بهذا يقول أحد شباب الحي، فضل عدم ذكر اسمه.

ويتابع: "لم يكن هناك ما يثير الريبة في شخصه، كان هادئا ودودا، ملتزما دينيا، وعندما كنا ننزل لصلاة الفجر أثناء فترة الدراسة كان يحثنا على أن نستمر في الصلاة وألا تكون صلاتنا كصلاة التجارة مع الله فقط لننجح وكان دائما يدعو لنا بالتوفيق والسداد، كان شخصا طيبا لا أعتقد أنه قتل كل هؤلاء".

من الوهلة الأولى من الممكن ألا تلاحظ تواجد زاوية مسجد المغفرة، لكونها ذات باب حديد عند النظر إليها تشعر كأنها مخزن أسفل العمارة، حسب جيران هشام، أن تلك الزاوية شهدت تكوين خلية هشام عشماوي، إذ إنه كان دائم التواجد في تلك الزاوية وكان يخوض نقاشات مع مجموعات من الطلاب الأجانب، في أعقاب أداء صلاة الفجر حتى الشروق.

عودة إلى الحاج صلاح، صاحب المنزل المواجه لـ"هشام عشماوي": "نقطة التحول كانت وفاة والده إذ لم يستطع الحضور لانشغاله في عمله.. وعاد ليظهر من جديد لكنه هذه المرة تحول من الالتزام الموجود على الفطرة وبدأ التشدد في الظهور على لغة هشام، كان يطلق الأحكام الشرعية يمينا ويسارا، كان يغيب لفترات طويلة في عمله ويعود مرة أخرى أكثر تشددا، وبدأ في جمع الشباب حوله، خاصة الطلبة من ذوي البشرة السوداء، يغلق عليه باب المسجد ويجلس لساعات، لم نكن ندري ما يحدث في الداخل ولم نكن نهتم!

حتى سمعنا يوما أنه لم يعد ضابطا بالجيش، حينئذ لم نبحث عن السبب، حسبنا أنه أراد أن يعمل بالتجارة مثل والده، وأذكر التقيته يوما بعد تركه للخدمة وأخبرني أنه يعمل حاليا بالتجارة.

"رأيته أكثر من مرة، وتعاملت معه، كان حسن الخلق، مضيافا، بحكم عملي "محصل كهرباء" كنت أصعد لشقته مطلع كل شهر إلا أنه منذ عامين أو أكثر فوجئت بتحول المنزل من عامر بالسكان إلى منزل مهجور، وسمعت بعض الجيران يقول إنهم وجدوا قنبلة داخل المنزل".

بعد عامين من اختفاء "هشام" من محل إقامته وترك أسرته للمنزل عاد مرة أخرى إلى الظهور في اعتصام رابعة، التي مثلت نقطة انطلاق جديدة في عالم الإرهاب ومرحلة ما قبل النهاية لـ"عشماوي مدينة نصر".

وفي عام 2013 كشفت مصادر أمنية، أن الإرهابي هشام عشماوي، هو العقل المدبر لحادث اغتيال المستشار هشام بركات النائب العام الراحل، وأكدت أن طريقة تنفيذ العملية، تشبه محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق، في سبتمبر 2013. 

ورصدت وزارة الداخلية سفره لتركيا، في أبريل 2013، عبر ميناء القاهرة الجوي، وتسلله عبر الحدود السورية التركية لدولة سوريا، وتلقى تدريبات حول تصنيع المواد المتفجرة والعمليات القتالية، وعقب عودته من سوريا شارك في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، وشارك في مذبحة كمين الفرافرة في يوليو 2014، وهي العملية التي استشهد فيها 22 مجندًا، وشارك في مذبحة العريش الثالثة، في فبراير 2015، التي استهدفت الكتيبة 101، واستشهد بها 29 عنصرًا من القوات المسلحة، واشترك في التدريب والتخطيط لعملية اقتحام الكتيبة العسكرية. 
الجريدة الرسمية