رئيس التحرير
عصام كامل

جلد الذات


المزاج العام لعدد غير قليل موجود بيننا أدمنوا للأسف الشديد ما يمكن أن نسميه بجلد الذات، فنراهم يتجاوبون ويقتنعون بشكل لافت للنظر مع أي حديث سلبي متعلق بالمجتمع، سواء كان متعلقا بأشخاصه أو مؤسساته، ويعملون على نشرها ونقلها للآخرين خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي دون بذل أي مجهود في اتجاه التحقق من صحة المعلومة، ومن يقف وراءها، وبالمقابل يتشككون دائما في مدى صحة الأخبار الإيجابية.


وأتحدث هنا عن أشخاص ليس لهم انتماءات سياسية، أو أيديولوجية يمكن أن تؤثر على قناعاتهم، ظهر ذلك بوضوح في 3 مواقف خلال النصف الأول من شهر أكتوبر الجاري، أولها ما هو متعلق برد الفعل الذي أحدثه حديث الكاتب يوسف زيدان مع الإعلامي عمرو أديب بشأن الزعيم الراحل أحمد عرابي، ومحاولة الأول التقليل من شأن الأخير تاريخيا، ولم يلفت نظر هؤلاء أن الأنجليز الذين حاربهم عرابي هم من شهدوا لصالحه، وأصدق الشهادات ما تصدر عن الأعداء.

أيضا تكرر نفس الأمر مع تقارير صادرة عما تسمى بمراكز أبحاث إسرائيلة تتحدث عن أن الدولة العبرية هي من حققت الانتصار في حرب أكتوبر المجيدة، وليس الجيش المصري العظيم، ولم يهتم أحد بالاطلاع على شهادات وأحاديث القادة الإسرائيليين أنفسهم أثناء الحرب، والتي تم نشرها بوسائل إعلام عالمية في حينها، ومتاحة الآن على شبكة الإنترنت، جميعها تؤكد على الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي.

كذلك تداول مؤخرا عدد ليس بالقليل على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لإحدي الكتل الخرسانية المكسورة لمحور روض الفرج باعتبار أن المحور ينهار، ولم يلتفت أحد لتوضيح رئيس شركة المقاولين العرب المنفذة للمحور لحقيقة الصورة، وأنها ليس لها أي علاقة بانهيار المحور من قريب أو بعيد.

وفي المقابل لم نر صورا يتم تداولها تقربيا لتنفيذ محور بنها- شبرا على سبيل المثال على الرغم من أهمية المحور الكبيرة لسكان محافظات شرق ووسط وغرب الدلتا، وجاء الحديث عن طريق بنها -شبرا متعلقا فقط بقيمة رسوم مرور السيارات المبالغ فيها.

أظن أن الظاهرة تحتاج لدراسة يقوم بها متخصصون لمعرفة الأسباب وتشخيصها، وطرح الحلول لمواجهتها بشكل علمي مدروس نظرا لتسببها في إشاعة روح اليأس بالمجتمع.

وأرى أن مثل هذه الدراسات لا بد أن تجاوب على عدد من الأسئلة منها.. هل هذه الظاهرة متعلقة بعيوب في شخصية من يتجاوب مع مثل هذه الأخبار دون حتى مجرد تفكير.. أو متعلقة بحالة فقدان الثقة بين هؤلاء وأنظمة الحكم المتعاقبة نتيجة سياسات خاطئة لهذه الأنظمة، وبالتالي بات هؤلاء أقرب لتصديق أي أخبار أو أحاديث سلبية عن الدولة من باب التشفي أو على أقل تقدير ممارسة المعارضة من وجهة نظرهم.

كذلك من المهم أن تضع مثل هذه الدراسات حلولا حقيقية لهذه الظواهر التي تشيع السلبية والإحباط لدى كثيرين وهو ما يمثل خطورة بالغة على المجتمع بشكل عام، خاصة في ظل استخدام غالبية الشعب المصري لوسائل التواصل الاجتماعي التي تعد البيئة الحاضنة لمثل هذه الأخبار والأحاديث، وما يعظم من خطورة الأمر من وجهة نظري أن بعض هؤلاء يري الشعب المصري في مجمله بشكل سلبي للغاية، وليس أنظمة الحكم فقط، بالرغم من أنهم جزء من هذا الشعب يحملون نفس صفاته.

الجريدة الرسمية