عندما ضاقت بنا السبل
عقب هزيمة يونيو ١٩٦٧، حيث تم احتلال سيناء وقطاع غزة وجزء من الضفة الغربية لأرض فلسطين، وقعنا نحن الشباب في هوة الإحباط واليأس، فقد ضاعت أحلامنا وذهبت أمانينا أدراج الرياح.. لم نجد من يأخذ بأيدينا ويرشدنا إلى الطريق الصحيح.. في تلك الفترة، تلبستني روح التصوف، حيث عكفت على قراءة كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي، وتأثرت به كثيرا، وقد قال عنه بعض علماء التصوف: "كاد الإحياء أن يكون قرآنا".
والحقيقة أن حياة الغزالي نفسه ومسيرته تستحق أن نتأملها ونتوقف عندها طويلا، لما فيها من دروس وعظات وعبر.. كما قرأت ما كتب عن شيوخ المتصوفة الكبار من أمثال: الفضيل بن عياض، الجنيد، إبراهيم بن أدهم، الحارث المحاسبى، أبو الحسن الشاذلى، وغيرهم.. وفى عام ١٩٦٨، زارنا في أسيوط الشيخ عبد الحليم محمود (رحمه الله) شيخ الجامع الأزهر آنذاك، وكان شاذليا، وألقى علينا محاضرة في أحد مدرجات كلية العلوم.. احتفينا به كثيرا، وترك لدينا أثرا لا يمحوه الزمن.
كنت أقضى ليالي طويلة في الذكر والتسبيح، وقد غمرنى أيامها شعور بعدم الاهتمام بما يجرى، سواء فيما حولى أو على المستوى المجتمعى العام.. دعانى أحد أصدقائى إلى حضور إحدى حلقات الذكر التي كانت تقام بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع في مسجد سيدى جلال الدين السيوطي بمدينة أسيوط.. لكنى في الحقيقة لم أرتح للطريقة التي كانت تجرى بها الحلقات، حيث التمايل - مع الذكر - قياما وقعودا.. لذا، لم أحضر حلقة الذكر هذه، أو غيرها، بعد ذلك أبدا.
وفى الإجازة الصيفية لعام ١٩٦٩، قادتني قدماى إلى مسجد أنصار السنة المحمدية، القريب من منزلى في دمياط.. وهناك، احتفى بى بعض أعضاء الجمعية.. وعلمت أنهم يعرفون عنى الكثير من خلال أخى الذي يصغرنى بسبع سنوات والذي سبقنى إليهم.. بدأت أتردد على المسجد، وأتعرف على نشاط الجمعية، ليس على مستوى محافظة دمياط فحسب، وإنما على مستوى مصر كلها.. أيضا كنت حريصا على التعرف على منهج وتفكير هؤلاء، وما نظرتهم تجاه الصوفية والإخوان؟.. فقد كانوا يمقتون الأولى بشدة ويرون أنها مخالفة للعقيدة ولهم في حربهم على الأضرحة تاريخ معروف، ويتحفظون على الإخوان في بعض القضايا..
وكانت فرصة للاطلاع على بعض المراجع المعتمدة لديهم، مثل كتب: الشيخ محمد حامد الفقي (مؤسس جمعية أنصار السنة)، عبد الرحمن الوكيل، د. محمد خليل هراس، وغيرهم.. كما كانت فرصة أيضا للتعرف على كتب ابن تيمية، ابن قيم الجوزية، وآخرين.. ومع الوقت، صرت من خطباء ومحاضري جماعة أنصار السنة، وكان ذلك في محافظات: دمياط، الدقهلية، الغربية، القاهرة، وسوهاج.. والحقيقة أن الأمر لم يستمر طويلا، حيث دخل الإخوان على الخط، وذلك له قصة طويلة.