لهيب «حراك الريف» يهدد بذبول «الاستثناء المغربي»
تتواصل الاحتجاجات بمنطقة الريف المغربية بعد عام على مقتل بائع الأسماك محسن فكري، ما يطرح أكثر من علامة استفهام على مستقبل ما عرف بـ"الاستثناء المغربي" الذي جعل المغرب يجتاز عواصف "الربيع العربي" بلا أضرار.
وفي حملة واسعة، اعتقلت السلطات المغربية العشرات من نشطاء "حراك الريف" ومنهم من صدرت عليهم أحكام وصلت إلى السجن لمدة عشرين عاما، ومنهم من لا يزال قيد المحاكمة بتهم منها المس بأمن الدولة.
وشكلت مدينة الحسيمة معقلا لتلك الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل بائع الأسماك محسن فكري في أكتوبر 2016 دهسا في شاحنة لطحن النفايات بعد أن حاول استرجاع اسماكه المصادرة بحجة صيدها على نحو غير مشروع.
وتميزت الاحتجاجات المغربية لحد الآن بمطالبتها بالإصلاح ومحاربة الفساد وليس بإسقاط النظام، كما كان عليه الأمر في عدد من البلدان العربية. وهو ما أسفر عن إقرار دستور جديد تنازل فيه الملك عن بعض سلطاته الشكلية. والنتيجة كانت هي عبور المغرب لاضطرابات "الربيع العربي" بأمان. غير أن القبضة الأمنية التي استعملتها السلطات في التصدي لحراك الريف جعلت بعض المراقبين يعتبرون أن المغرب تقهقر للمربع الأول بعد تكاثر مؤشرات تذكرهم بما كان يسمى بـ"سنوات الرصاص" التي عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
تعثر..أم عودة للوراء؟
نقلت دنيا صداقي مراسلة شبكة "آ.إر.دي" الألمانية أجواء احتجاج قرابة ثلاثين شخصا أمام محكمة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة وهم يهتفون شعارات "نحن الشعب"، "نحن نبيل، نحن الزفزافي" وهي ضمن أسماء قيادات حراك الريف التي تقبع في السجن منذ شهور.
ووضع متظاهر قيودا ثقيلة على يديه رافعا إياها في الهواء فيما يمكن كتب على صدره العاري كلمة "التعذيب" فيما قال متظاهر آخر، لولا حضور الصحافة الأجنبية لاتخذت الشرطة اجراءات عنيفة بحقهم، مؤكدا أنّ المغرب في طريقه ليصبح دولة بوليسية. غير أن محكمة استئناف الدار البيضاء قررت وللمرة الثالثة تأجيل محاكمة ناشطي الحراك، في حين يبدي المتضامنون معهم قلقًا على وضعهم الصحي.
وقال أحد محامي الدفاع محمد زيان إن "هذه المحاكمة تأخذ وقتا طويلا وستتسبب بحالة من التوتر لسنا في حاجة إلى هذا"، معربا عن الأمل في تدخل الملك محمد السادس "لحل الأزمة".
غير أنه من السابق لأوانه معرفة الاتجاه الذي يسير فيه المغرب حاليا، أو إذا ما كان الأمر مجرد تعثر عابر أم تغير جذري لتوجهات الدولة المغربية. هناك مؤشرات كثيرة توحي بأن البلاد توجد في غرفة انتظار كبيرة لعل أهمها خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس الأخير الذي انتقد فيه الإدارة المغربية والنخبة السياسية وحملهما مسئولية "إعاقة تقدم المغرب".
كما دعا الملك إلى إعادة النظر في "النموذج التنموي" الذي اعتمده المغرب لحد الآن. وأضاف العاهل المغربي أن الغرض ليس "النقد من أجل النقد، ثم نترك الأمور على حالها. وإنما نريد معالجة الأوضاع وتصحيح الأخطاء وتقويم الاختلالات". ولم يُساهم إعلان السلطات عن خطة استثمارات واسعة ومشاريع للبنى التحتية في الحسيمة وغيرها من مناطق الريف، وكذلك الزيارات التي أجراها وزراء إلى المنطقة، في نزع فتيل الغضب الشعبي في منطقة معروفة تاريخيا بتميز هويتها وصراعها مع سلطة المركز.
من سنوات الرصاص إلى الزفزافي
قال إسحاق شريعة محامي ناصر الزفزافي قائد حراك الريف في حديث نقلته شبكة "آ.إر.دي" الألمانية إن موكله "لا يتحدث مع أحد منذ خمسة أشهر تقريبا، ولا يرى أحدا، ويكون وحيدا حتى في فسحته اليومية، ولا يحق له الحديث حتى مع حراسه. وهذا ما أثر كثيرا على نفسيته. إننا نطالب بوضع حد لهذا الوضع، هذا انتهاك لحقوق الإنسان".
ووجهت إلى الزفزافي الذي كان يندد في خطاباته بـ"الدولة الفاسدة"، عدة تهم بينها "الاساءة إلى الأمن الداخلي.
ويذكر أن الزفزافي أوقف في 29 مايو للاشتباه بارتكابه جريمة "عرقلة وتعطيل حرية العبادات" في مسجد في 26 مايو. وهو من بين عشرات النشطاء الذين أوقفوا منذ ذلك التاريخ.
وفاجأ التعامل "الأمني" مع حراك الريف المراقبين لتطورات الأوضاع في المغرب، خصوصا وأن استخلاص العبر من "سنوات الرصاص" كانت من الأسس التي قامت عليه شرعية العهد الجديد. فقد عاش المغرب انفتاحا سياسيا كبيرا حتى قبل "الربيع العربي" بعد اعتلاء الملك محمد السادس لعرش أسلافه. وبقى السؤال معلقا، هل يتعلق الأمر بسحابة عابرة في المسيرة السياسية للمملكة الشريفة أم بتدحرج إلى نقطة الصفر؟
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل