كذب المحللون السياسيون ولو صدفوا!

كثيرا ما تطالعنا الفضائيات وبرامج "التوك شو" بما يسمون أنفسهم محللين سياسيين، وكثرت ظاهرة هؤلاء وانتشرت بعد اندلاع ثورة 25 يناير فى مصر خاصة وثورات الربيع العربى عامة، وتتعدد مسمياتهم وألقابهم، فتارة يطلق هذا الشخص على نفسه محللا سياسيا استراتيجيا، وآخر عضو مركز الدراسات الاستراتيجية، وثالث خبير فى المركز القومى للدراسات الاستراتيجية، وآخر مفكر استراتيجى سياسى وغيرها من المسميات.

وأرى كثيراً من هؤلاء المحللين السياسيين ما يشبهون المنجمون فى عملهم وليس كل المحللين، فالمنجم هو شخص استند على وقائع قليلة ويرسم قصة من وحى خياله ويربطها بهذا الواقع لتعطى الواقعية والمصداقية، فلديهم، أى المنجمون، القدرة على الإيحاء والقدرة على التأثير بالمتلقى والتعميم فى سرد الأحداث والوقائع ويتمتع بقدر كبير فى الإقناع ولفت الانتباه، ويقوم بتصوير خطوط عامة لسيناريوهات محتملة، موهماً بأن السيناريو الذى يحدد ملامحه العامة يستند إلى وقائع ملموسة، ويقدم نصائح فى بعض الأحيان على أمل أن يتم الأخذ بها.

كما يتمتع المحلل السياسى بإيهام المتلقى بأنه قريب من صناع القرار وامتلاك المعلومة، حتى شعر المتلقون من الأهالى عبر القنوات الفضائية بأننا نمتلك مجموعة من المحللين السياسيين لا تستطيع دولة فى العالم أن تهزأ بنا أو تفكر مجرد تفكير أن تسحب معوناتها لمصر، وأصبح لدينا من بين 85 مليون مواطن 20 مليون محلل سياسى و20 مليون محلل رياضى و20 مليون محلل فنى و20 مليون محلل اجتماعى و5 ملايين أطفال وكبار السن ومرضى.
وأتذكر أول خبير عسكرى فى الدراسات الاستراتيجية والعسكرية وغيرها من الخبرات، وقت أن دخلت القوات العراقية أرض الكويت واستضافته جامعة القاهرة فرع بنى سويف آنذاك، وأخذ يحلل ويعلل ويستخرج ويستنتج وفى النهاية حدث عكس كل ما قاله وتوقعه، ثم ظهر هذا الخبير على القنوات المصرية والفضائية وحلل وغيره مواقف وأحداث قبل سقوط بغداد، توقع أن تغزو العراق أمريكا نفسها وأن صدام حسين لم ولن يستسلم وسيفجر مفاجأة من العيار الثقيل للإدارة الأمريكية ويلقنها درسا فى الحروب لن تنساه، خاصة أنه خاض حرباً مع إيران لأكثر من ثماني سنوات، وما إن أنهى الحلقة إلا وكانت أمريكا على أرض العراق وأغلقت مطاراته وسيطرت عليها، ووقع المحللون السياسيون فى أخطاء تحليلية لأحداث محلية فى مصر وعالمية، مثل إيران وأفغانستان وغيرها من الدول.