سيناريو «المقاطعة» يجبر البشير على «تهجير الإخوان» من السودان.. و«التطهير» يبدأ بـ«التشريد وقطع الموارد المالية».. خطة العودة إلى القاهرة «مرفوضة».. و
>> حزب الترابي يسعى لإقناع «الكماليين» بالرحيل.. وعلاقات «البيزنس والمصاهرة» تهدد بـتفجير الأزمة.
>> المراقب الجديد للجماعة في الخرطوم محسوب على جبهة الرئيس السوداني.. وقراره بـ«تأجيل المؤتمر العام» يكشف تفاصيل مخطط «التهجير الإخواني».
رغم نفي الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وجود أي تحالف بين إخوان السودان ومصر في لقائه قبل عامين مع الإعلامي وائل الإبراشي، ونفيه وجود أي علاقة بين إخوان السودان والتنظيم الدولي للجماعة الذي سبب لها أزمات مع كل أنظمة الحكم في الدول العربية والإسلامية بسبب إثارته للقلاقل في الدول وعمله على ربط أذرع الجماعة ببعضها تمهيدا لإقامة مشروع الإخوان المزعوم «الخلافة»، فإن الواقع يؤكد أن السودان حاليا أهم ملجأ لقيادات جبهة العنف الإخوانية المعروفة إعلاميًّا باسم «الكماليين»، وتحديدا معظم قيادات الصف الثاني والثالث بجانب قيادات الجبهة التاريخية المعروفة بقيادات لندن.
ويعد السودان من أهم التحصينات الإستراتيجية لعناصر الإخوان التي تمارس العنف، فمن ناحية تُجنب قطر الراعي الرسمي للجماعة اتهامها بالإرهاب بسبب احتوائها مثل هذه العناصر، ومن ناحية أخرى تؤمن لها مسالك الهروب على الحدود الجنوبية لمصر من الملاحقات الأمنية المستمرة، بحيث تتمكن من تنفيذ ضرباتها والعودة بمنتهى الأريحية من خلال الجبال الوعرة والوديان والمناطق التي لم يدخلها العمران ويعرفها البدو، خاصة المنتمون منهم للجماعات المتطرفة.
وبحسب مصادر، تتولى قيادات من حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي، حل الموضوع وديًّا مع قيادات الكماليين، وإقناعهم بضرورة الرحيل من السودان حتى يستطيع الإفلات من العقوبات الأمريكية، التي بدأت منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في ثمانينيات القرن الماضي.
وتتخذ قيادات حزب المؤتمر ذريعتين لإقناع الإخوان بالرحيل، أبرزها الانشقاق والصراع المشتعل بين قيادات جماعة السودان، والذي أطاح بمراقبها العام علي جاويش وعدد من القيادات، عقب حزمة قرارات اتخذها مجلس شورى الإخوان منتصف العام الماضي، وعلى إثرها تم تكليف المراقب العام السابق الحبر يوسف نور بتولي المنصب مرة أخرى لحين انعقاد المؤتمر العام.
كما أن يوسف نور المراقب الجديد موالٍ لـ"البشير" ولا يحبذ الدخول في صراعات خارجية بسبب الإخوان، وأبرز ما يؤكد ذلك اتخاذه قرارًا بحل جميع أجهزة الجماعة في السودان، بما فيها المكتب التنفيذي ومجلس الشورى، فضلًا عن تأجيل المؤتمر العام وتشكيل لجنة تسيير أعمال لشئون الإخوان، وخصص منها فرعًا لإنهاء أزمة صداع إخوان مصر في الأراضي السودانية، بعدما كان يتجه «جاويش» المراقب العام السابق للإخوان بالجماعة إلى الصدام القاتل مع الدولة، بما كان سينتهي بها إلى مآل إخوان مصر، وذلك بعدما اتخذ قرارًا بفك الارتباط مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، احتجاجًا على اعتراف الخرطوم بنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح بحكم الإخوان بقيادة الرئيس المعزول محمد مرسي.
والذريعة الثانية التي تستغلها قيادات حزب المؤتمر الشعبي في تسوية مشكلة إخوان مصر وإبعادهم نهائيًّا عن السودان، خلافات الإخوان الطاحنة والتي وقعت بين الكماليين وقيادات الإخوان هناك الموالية لمحمود عزت، بعدما نجح شباب جبهة العنف في تكوين أجنحة مسلحة لهم داخل السودان، لتنفيذ تعليمات وتوجيهات الكتائب المسلحة الإرهابية في مصر، ما جلب على السودان أزمات مع المؤسسات السيادية المصرية، وخاصة بعد اعتراف قيادات الجبهة التاريخية على الهواء بتصنيع الكماليين للقنابل في السودان، ومنهم واحدة انفجرت ودمرت المنزل الذي كان مخصصًا لبعض العناصر الإخوانية، ما أثار أزمة كبرى وقتها، واضطرت أجهزة الأمن السودانية لملاحقة بعض العناصر لحفظ ماء وجهها أمام مصر والمجتمع الدولي.
وبحسب مصادر تحدثت إليها "فيتو"، فإن أبرز ما تواجهه القيادات السودانية حاليًا لإنهاء المشكلة الإخوانية المستعصية، انتشار إخوان مصر وتفرقهم داخل ربوع الأراضي السودانية، وبعضهم باتت تربطه علاقات مصاهرة بإخوان السودان، خاصة قيادات المكاتب الإدارية التي أعلنت انقلابها على محمود عزت القائم بأعمال مرشد الإخوان حاليًا من إخوان الصعيد «المنيا - أسيوط - سوهاج - قنا – أسوان»، بالإضافة إلى رابطة إخوان الدقهلية، إلى جانب أخطر رابطة في الجماعة كلها حاليًا «إخوان الإسكندرية».
وفيما يبدو كان إخوان مصر يتوقعون هذه اللحظة، فلجأوا لتفعيل حالة من الاستقرار على طريقة القبائل، من خلال استخدام المصاهرة والشراكة الاقتصادية للذوبان في المجتمع السوداني، خاصة قيادات الكماليين الذين تلاحقهم النشرات الحمراء للإنتربول لتوقيفهم حال مغادرتهم أي بلد آخر، في ظل حالة الملاحقات الخارجية سواء لقطر أو لاكتظاظ تركيا بعناصر الإخوان من الموالين للجبهة التاريخية، المدعومة من إدارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان التي ترغب في عدم احتواء جماعات العنف المسلح الإخوانية.
ويعد الحل البديل الأكثر وضوحًا بالنسبة للسودانيين، اللجوء إلى جبهة القيادات التاريخية، وتسليمها ملف الإخوان هناك، خاصة أن الأخيرة سبق لها تنفيذ تهديداتها بطرد مجموعات العنف من الأراضي السودانية، وبالفعل كان فيديو "نوم الإخوان على الأرصفة" هناك حديث الصباح والمساء في دوائر النشطاء الإسلاميين، بعدما لجأ مجموعة من شباب جبهة الكماليين لتصوير تشريدهم من أحد المنازل التي تأويهم بالسودان، بسبب تأييدهم لحركات العنف المسلح ومدها بالعناصر والمال لتنفيذ عمليات ضد الدولة المصرية، وهو ما يظهر الإخوان في ثوب جماعة إرهابية، ويساهم في حملات التضييق عليها عالميًّا.
إلى جانب ما سبق.. تدرك قيادات السودان أن الحال تبدل في مصر، وأصبحت الجماعة منبوذة شعبيًّا، وكذلك انتهت موجات التعاطف لدرجة كبيرة داخل الإخوان مع الكماليين، خاصة في أجيال الوسط والكبار، وهو الأمر الذي يعول عليه إخوان السودان، إذا ما استعانوا بالقيادات التاريخية حال عدم وصولهم لحل يصل بهم إلى تطهير بلادهم بشكل كامل من تلك العناصر الإجرامية، والتي تملك الإدارة الأمريكية قائمة كاملة بأسمائهم ومواقعهم بالتعاون مع مصر، وهو ما يضع السودان في موقف عصيب.
وتتبع السلطات السودانية حاليا- بحسب المصادر، ومنذ إعلان القرار الأمريكي برفع العقوبات الاقتصادية على السودان، حالة من التضييق الشديد على مسئولي الجماعة هناك وخاصة الشباب منهم، وصدرت تعليمات واضحة للأطراف المسئولة أمامهم من الإخوان بضرورة الإبلاغ عن أي عنصر لا يلتزم حرفيًا بالتعليمات الأمنية السودانية التي تمنعهم من مغادرة المنازل إلا بخط سير واضح.
بدوره قال سامح عيد، الباحث في شئون التيارات الإسلامية، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان: الجماعة صدرت أزماتها للسودان، ومقاطعة قطر من الدول العربية الأربع «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» وثبات هذه الدول على ضرورة معاقبة قطر بسبب احتضانها للإرهاب الإخواني تحديدًا، يصدر التوتر لنظام البشير في هذه الظروف الفارقة.
وأكمل: الضغوط الأمريكية والموقف الحساس للحكومة السودانية يعجل بإبعاد الإخوان من هناك، وكل الدول التي احتضنت الإخوان من قبل سينتهي بها الأمر إلى التمسك بمصالحها في ظل الرفض الدولي لاحتواء الإرهاب، وتجب الإشارة هنا إلى ضرورة طرد السودان لأصحاب التاريخ المتطرف والعنيف، وخاصة من أتباع الكماليين لإبراء ذمته من دعم الإرهاب.
وأشار الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، إلى أن قطار الإخوان لن يتجه بهم في الغالب بعد السودان إلا إلى محطتي تركيا وإيران، خاصة أن أغلب الدول لا يمكنها المغامرة بالدخول في صدام مع التحالف الرباعي المعارض للإرهاب في المنطقة، والداعي إلى محاصرة جبهات العنف ذي التوجهات الإخوانية الواضحة التي تعلن الصدام مع الدولة المصرية.
في السياق قال هشام النجار، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية: إن تخبط جماعة الإخوان الإرهابية يجعل مستقبلها غامضا لا يمكن لأحد ولن يستطيع من الأساس التنبؤ به، والجماعة جعلت نفسها مرتهنة لأنظمة غير مستقرة تمارس التدخل في شئون غيرها، والعبث بأمن واستقرار الدول.
"نقلا عن العدد الورقي.."