على خطى قناة الحياة
كانت كل المقدمات تؤدي لبيع قنوات الحياة بعد الإضرابات للعاملين وقطع البث أكثر من مرة لتعثر الإدارة غير المحترفة في معادلة خلق محتوى إعلامي مبهر باقتصاديات معقولة لصناعة إعلام حيوي ومؤثر، غير أن من تولوا الإدارة كانوا يضحون بالمولود والأم والمستشفى لكي يعيش الطبيب ويصنع لنفسه سمعة على حساب صاحب المحل، أقصد صاحب القناة وكانت الفرصة مواتية في إطار خلق إعلام موازٍ على المقاس، باع السيد البدوي شبكة الحياة لشركة تواصل الواجهة الإعلامية لشركة فالكون المتخصصة في الحراسات والأمن، وكل علاقتها بالإعلام إن رئيس مجلس إدارتها كان يرأس قطاع الأمن باتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهي الشركة الوحيدة التي لها حق نشر قوات تدخل سريع وهي خدمة أمنية خاصة حصلت عليها الشركة من قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية وكذلك هي الوحيدة التي تملك رخصة البندقية الخرطوش في الشرق الأوسط، وإن كان البعض يرى أنها في صفقات الإعلام مجرد "كاحول" لجهات أخرى، وربما لهذا السبب تراجع البدوي أكثر من مرة لبيع قنواته لجهات أخرى بمبالغ أكثر من المليار و٤٠٠ مليون جنيه أي نحو ٧٧ مليون دولار.
وبغض النظر عن الفريق الجديد للحياة فقد ضمت منذ نشأتها مجموعة من أمهر إعلامي مصر من بينهم حافظ المرازي وأحمد المسلماني وشريف عامر ومعهم محمد عبد المتعال، الذي نجح بدأب على خلق محتوى مصري يناسب المزاج العام للشعب المصري والعربي، وربما كانت طموحات عبد المتعال هي التي أوصلت القناة للإفلاس، وحينما اتّهمت مدينة الإنتاج الإعلامي بالمسئولية عن التردد وانقطاع الإرسال، سارعت المدينة بنفي ذلك وقالت إن المشكلة تجارية وليس لها أي بعد سياسي كما يحاول صاحب القناة تسويق نفسه للرأي العام، وإظهار نفسه بمظهر الضحية، وربما لا يصدق المشاهد أن من كان ينقل له كل الزخم الإعلامي من البرامج الثرية والمسلسلات والتغطيات الرياضية لا يملك ثمن المواصلات لكي يعود لمنزله، أو أنهم يعانون الأمرين من الشيكات والكمبيالات المرجئة لحين ميسرة، ووصل الأمر للعاملين في هذا الصرح الإعلامي إلى ما يشبه السخرة بالمعنى الحرفي للكلمة وليس مجازا على حد تعبير دعاء فاروق مذيعة القناة..
وذلك في نفس الوقت الذي كانت تبيع الوهم للجميع بأنها القناة الأولى في مصر لدغدغة المعلنين، وقد شهدت الحياة عدة إضرابات وصلت لإغلاق ستوديوهات الهواء ومنع دخول المذيعين حتى يتم تسوية المستحقات المالية للعاملين، مما دفع القناة لإعادة بث مجموعة من البرامج المسجلة، وحدث ذلك قبل أيام من الموسم التليفزيوني الرمضاني، ولذا كان إعلان الشركة الجديدة مسئوليتها عن جدولة ديون القناة وضمان حقوق العاملين بصورة كاملة إحدى الإشارات الذكية من الملاك الجدد.
والحكاية أن الجميع في هذا البلد لا يريد الاقتناع بأن الإعلام أصبح علمًا وصناعة، ويعتمد على المحترفين وليس الهواة، وإن كان الجميع ينتقدون تجربة ماسبيرو فكلهم يسيرون على خطاه، وينتظرون نتائج مختلفة، وما حدث للحياة هو كأس سيتجرعه كل ملاك القنوات إن عاجلا أو آجلا، بعد تخلي الدولة عن احتضان الفشلة وسد الأبواب الخلفية للتمويل الغامض والمشبوه للإعلام.